دولة الرئيس.. هل تسمعني..؟
أول التحديات أمام الرئيس المكلف أن يأتي بتشكيلة حكومية رشيقة، فلا داعي لفريق من 30 وزيراً، بل يكفي عشرون على الأكثر، ولن يعيق الرئيس تكييف الأشخاص والحقائب، فشخصٌ بخبرته، وهو الضليع في عمل مختلف الوزارات، لن يجد أي مشكلة في الخروج بتوليفة وزارية رشيقة متجددة تنبض بالحيوية والحماس، وتحقق ما لم تحققه حكومات الثلاثين وزيراً الهرمة..!!
أما التحدي الثاني فهو ملف الانتخابات، وما لمسناه منذ بداية عملية التسجيل أن هناك تجاوزاً للقانون وخروجاً واضحاً عليه مما يقدح من الآن بنزاهة العملية الانتخابية ومخرجاتها القادمة، فهل تملك الحكومة فرض القانون، ووقف التجاوزات التي لم تستطع الحكومة السابقة والهيئة المستقلة للانتخاب وقفها، وأولها بدء الكثير من المرشحين المتوقعين إطلاق حملاتهم الدعائية قبل الموعد الرسمي الذي حدّده القانون، إضافة إلى ضرورة تعاون الحكومة مع الهيئة لوضع خطة محكمة تمنع تسرب المال السياسي والتأثير على العملية الانتخابية ونزاهتها، فإذا نجحت الحكومة في إجراء انتخابات متميزة ونزيهة فسوف تظل تُذكر على مدى السنين والعقود القادمة..!
والتحدي الثالث هو الملف الاجتماعي وأذكّر الرئيس بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أيما عامل لي ظلم أحداً فبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته)، وإني لأتقدم ببلاغ إلى دولته بأن ظلما وقهراً كبيرين تعرّض ويتعرّض لهما أضعف الناس وأكثرهم حاجة للأمن وهم قاطنو دور الرعاية الاجتماعية، وعلى الحكومة أن تبدأ العدالة من مراكز الرعاية الاجتماعية، فإذا نجحت في تحقيقها، ستنجح حتماً في إشاعة الأمن والعدالة والسلم الاجتماعي في ربوع المجتمع، فلا يجب أن نكتفي برفع الظلم والقهر عن المقيمين في هذه المراكز من الضعفاء والأيتام والمسنين، بل لا بد من معاملتهم بالبر والإحسان، وألاّ نقبل بغير ذلك.
أما التحدي الرابع فهو الشأن الإداري في مؤسسات الدولة المختلفة، وفي طليعة ذلك إعادة مراجعة وتقييم هيكلة القطاع العام، التي نفّذتها الحكومتان السابقتان دون دراسة كافية، وبإصرار من وزير أدخل البلاد في حائط أصم، والتي ظهر أنها كانت ضارة بالقطاع أكثر مما نفعته، ويكفي أن أدلّل على ذلك بأن تجاوزات قانونية كبيرة اعترت عملية الهيكلة وأن العدالة التي كانت متوخاة منها لم تتحقق بل العكس تماماً، وأن خسائر ونفقات باهظة أُلحقت بخزينة متهالكة نتيجة عملية الهيكلة وتبعاتها التي لا تزال قائمة، وقد كنتَ يا دولة الرئيس قد صرّحتَ في إحدى مقابلاتك التلفزيونية عندما سُئلت عن رأيك بالهيكلة، بأن لك تحفظات عليها، وأن الموضوع يحتاج إلى دراسة، للوقوف على مدى قانونية هيكلة بعض مؤسسات القطاع العام.. وأنصح دولتك بأن تفكّر مليّاً وأنتَ تختار شخصية وزير تطوير القطاع العام، فما خلقته الهيكلة من أزمة يحتاج إلى شخص إداري بارع للخروج منها وإصلاح ما خرّبته في مؤسسات القطاع العام، وإن كنت أنصح بإلغاء هذه الوزارة والاستعاضة عنها بديوان الخدمة المدنية، وتوسيع صلاحياته على هذا الأساس.
أما الملف الاقتصادي، فأول ما أنصح دولتك به هو أن تصرف النظر تماماً عما خططت له الحكومة السابقة لرفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات، والسبب أن الشعب لن يتحمّل ذلك أبداً أبداً أبداً، مهما كانت الذرائع والمبررات، والحكومة الناجحة هي التي تبحث عن حلول اقتصادية خارج إطار جيوب مواطنيها.. أما قصة الدعم النقدي لتعويض الطبقات الفقيرة فما هي إلاّ ذرُّ للرماد في العيون.. فالتجارب أثبتت أنها قصة بلا معنى، وأن أي دعم لن يستمر لأكثر من بضعة أشهر ثم ما يلبث أن يتلاشى.. ناهيك عن آثاره النفسية السلبية على المواطن..!! كما أنصحك بأن تولي عنايتك الفائقة للمناطق الأقل حظاً والأقل استحواذاً على حصتها من كعكة التنمية، وهي مناطق جيوب الفقر المتزايد وفرص العمل المتضائلة..!
وفي ملف الربيع الأردني، أرى يا دولة الرئيس، وأنت المعروف بقربك من الناس وتواصلك مع الجميع، أن تفتح حواراً حقيقياً إيجابياً مع الحراكات الشعبية في مختلف مناطق المملكة، وهي التي كانت الحكومات السابقة تتفرّج عليها، وتحصي مسيراتها ونشاطاتها، دون أن تفعل شيئاً أو تحاور ناشطاً سوى بلغة التهديد والاعتقال والتوقيف، فحاورهم يا دولة الرئيس واسمع منهم وأسْمِعْهم..
وسلامي لك دولة الرئيس والله أسأل أن يعينك على حمل أمانتك الثقيلة..