الملك يتهم " دخلاء " باختطاف الحراكات الشعبية
المدينة نيوز - اعتبر جلالة الملك عبد الله الثاني أن هناك “دخلاء ” يختطفون الحراكات الشعبية لتنفيذ أجندات خاصة، ورأى أن الحراكات الشعبية التي يشهدها الأردن ساعدت على تسريع وتيرة الإصلاحات السياسية.
وقال إن “عدداً من أبناء الوطن ومن ضمنهم الحراكات الشعبية على اختلاف أنواعها يعبرون عن رأيهم من خلال المسيرات وأشكال التظاهر الأخرى اليوم بطريقة سلمية وحضارية وبأسلوب نموذجي هادف وبناء، ما ساعدنا على تسريع وتيرة الإصلاح”.
واستقبل جلالته رئيس المحكمة الدستورية طاهر حكمت وأعضاء المحكمة الإثنين في اجتماع أكد جلالته خلاله الدور المهم الذي تنهض به المحكمة كضمانة ومرجعية أساسية لتعزيز مسيرة البناء والإصلاح والتطوير في جميع المجالات.
وشدد جلالته على دعمه المطلق للمحكمة في أداء المهام المنوطة بها، لافتا إلى أنها تعد أحد أهم الضوابط للمرحلة المقبلة من حيث تعزيزها للفصل والتوازن بين السلطات، ومراقبة احترام سيادة القانون.
وعبر رئيس وأعضاء المحكمة خلال اللقاء، الذي حضره رئيس الديوان الملكي الهاشمي رياض أبو كركي، ومدير مكتب جلالة الملك عماد فاخوري، عن تقديرهم لدعم جلالته للمحكمة الدستورية باعتبارها استحقاق دستوري مهم يرسخ على أرض الواقع مسيرة الإصلاح الشامل في أبعاده المختلفة.
وأكد جلالته أن إنشاء المحكمة الدستورية يرسخ مبدأ احترام الدستور والفصل بين السلطات ومنع تغول إحداها على الأخرى، وحماية حقوق المواطنين وصون الحريات، باعتبارها منجزا تاريخيا جاء نتيجة للتعديلات الدستورية، وما سبقها من إنجازات حقيقية وملموسة على أرض الواقع في إطار خارطة الطريق للإصلاح.
وقال جلالته إن الأردنيين مقبلون على انتخابات نيابية ستشهد لأول مرة في تاريخ الأردن الحديث القوائم الوطنية التي تمكن المواطن من انتخاب مرشحين على مستوى المملكة، ما يعزز تطور الحياة الحزبية على مدار الدورات البرلمانية القادمة، وتدار لأول مرة من قبل وإشراف هيئة مستقلة للانتخاب لإفراز مجلس نيابي جديد يعكس إرادة المواطنين، ويعبر عن رغبتهم في التغيير الإيجابي.
وأشار جلالة الملك إلى أن تجاوز عدد المسجلين للانتخابات النيابية مليونين وربع المليون ناخب يعكس حرص فئة واسعة من أبناء "شعبنا ورغبتهم في المشاركة بفعالية وبشكل مباشر في معالجة مختلف التحديات التي تواجه الوطن"، مؤكدا "إنهم يدركون أن أي تغيير حقيقي وملموس لا يمكن أن يحدث إلا بطريقة ديمقراطية وعبر المؤسسات والقنوات الدستورية".
وأكد جلالة الملك في هذا الإطار أن ما يميزنا نحن الأردنيين أن لدينا تاريخا وإرثا قائم على أسس راسخة من التسامح والاحترام المتبادل، "وبالرغم من أننا قد نختلف في توجهاتنا السياسية، إلا أننا نتشارك في نفس القيم؛ فنحن شعب واحد يجمعنا مصير واحد في هذا الحمى العربي الهاشمي".
وشدد جلالته على أنه "لا يوجد ولن يكون هناك أبدا شريحة أو مجموعة مستبعدة من المشاركة، وجميع الأردنيين يملكون الحق والفرصة ليكونوا جزءا من العملية السياسية من خلال خوض الانتخابات ببرامج تقترح الحلول وأي إصلاحات إضافية يصوت عليها من خلال صناديق الاقتراع ويتم مناقشتها من تحت قبة البرلمان؛ فنحن في الأردن نستمد قوتنا من تنوعنا وثراء أفكارنا التي تقدم دوما مصلحة الوطن على كل الاعتبارات الأخرى".
وفي الوقت الذي شدد فيه جلالته على وجود مساحة للتطوير والتحديث في مختلف المجالات بما في ذلك الإصلاح السياسي الذي "نسير به بثقة"، إلا أنه قال "لا نريد أن نجعل من السعي لتحقيق جميع التطلعات بشكل فوري عائقا أمام التقدم الفعلي والتدريجي في مسيرتنا الإصلاحية، التي نتوخى فيها أعلى درجات الإجماع الممكن تحقيقه من خلال القنوات الدستورية، وعلينا أن نتحرك معا إلى الأمام لتحقيق التقدم المنشود الذي يرتقي إلى آمال وطموحات شعبنا، وهذا ما قمنا به خلال الفترة الماضية، من خلال توفير أدوات حقيقية وملموسة للمواطنين والتي وضعت الأردن في مسار لا رجعة عنه نحو ترسيخ النهج الديمقراطي وبناء الأردن الحديث".
وفي رد لجلالة الملك على سؤال حول رؤيته للمهام الرئيسة المطلوبة من حكومة الدكتور عبدالله النسور خلال المرحلة المقبلة، قال جلالته "إن للحكومة دورا كبيرا في هذه المرحلة المهمة من تاريخ الأردن، خصوصا ونحن مقبلون على انتخابات نيابية تقودنا إلى برلمان جديد ينبثق عنه بدء مرحلة الحكومات البرلمانية؛ فهذه حكومة تأتي في مرحلة انتقالية لتؤسس لإحداث نقلة نوعية في تاريخ الأردن السياسي والديمقراطي، وتمهد للحكومة التي ستنبثق عن البرلمان المقبل".
وأوضح جلالته أن أبرز مهمة للحكومة الجديدة تتمثل في دعم عمل الهيئة المستقلة للانتخاب التي ستتولى إدارة الانتخابات المبكرة من الألف إلى الياء وفق أفضل معايير النزاهة والحياد والشفافية، إضافة إلى مواصلة الحوار مع مختلف شرائح المجتمع والأطياف السياسية بهدف تعزيز تماسك النسيج الاجتماعي وتناغمه لمصلحة الوطن العليا، ولتحفيزها أيضا على القيام بدورها وتحمل مسؤولياتها في المرحلة المقبلة من خلال المشاركة في الانتخابات النيابية ترشيحا واقتراعا.
وفيما يرتبط بالواقع الاقتصادي، قال جلالته ان الحكومة مطالبة بان تولي مسألة انعكاسات الواقع الاقتصادي الصعب على المواطنين، "الذين هم أولويتنا الأولى"، جل اهتمامها من خلال تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي التي تضمن إيصال الدعم إلى مستحقيه، وتوفير حياة كريمة للفئات الفقيرة خاصة، والفئات ذات الدخل المحدود ضمن خطط مدروسة وآليات قابلة للتطبيق لمواجهة الواقع الاقتصادي، وعلى أساس التشاور والحوار مع مختلف فئات المجتمع.
وكان جلالته قد تلقى رسالة جوابية من رئيس المحكمة الدستورية طاهر حكمت ردا على الرسالة الملكية التي وجهها جلالته إلى رئيس وأعضاء المحكمة، أكد فيها: "أن إنجاز المحكمة الدستورية وانطلاقها يعتبر تجسيدا عمليا بالغ الدلالة على استمرار المسيرة الإصلاحية، التي أطلقتموها، وحرصتم على مدها بكل أسباب الدعم والتوجيه والضمانات، لتقوم بأداء دورها المهم المرتقب، وفقا لأحكام الدستور الأردني، والتعديلات الدستورية ذات الأهمية البالغة".
وأضاف أن الرسالة تضمنت "إدراكا عميقا لمفهوم الرقابة على دستورية التشريعات ووجوب تطوير أدواتها لتتمكن من النهوض بمسؤولياتها التي تتعاظم في ضوء استحقاقات المرحلة السياسية المقبلة ومسيرة الإصلاح التي تتولون رعايتها والنهج الأردني الخاص الذي اعتمدتموه لبناء المستقبل الأفضل المنشود".
وفيما يلي نص الرسالة: صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله ورعاه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد : تلقيت وزملائي القضاة، بفخر واعتزاز، رسالتكم التي تكرمتم بتوجيهها لنا بمناسبة صدور إرادتكم السامية بتعيننا قضاة في المحكمة الدستورية التي جاء تأسيسها وإنفاذ قانونها، خطوة هامة ورائدة وغير مسبوقة، في تاريخ الوطن.
إن إنجاز المحكمة الدستورية وانطلاقها يعتبر تجسيدا عمليا بالغ الدلالة على استمرار المسيرة الإصلاحية، التي أطلقتموها، وحرصتم على مدها بكل أسباب الدعم والتوجيه والضمانات، لتقوم بأداء دورها الهام المرتقب، وفقا لأحكام الدستور الأردني، والتعديلات الدستورية ذات الأهمية البالغة، التي أمرتم بإجرائها، والتي جاءت بتوافق تام بين رؤية جلالتكم، التي جسدت مشروعكم الإصلاحي الكبير ورغبات القطاعات الواسعة للمواطنين.
لقد كنتم جلالتكم أول من نادى بهذه الإصلاحات وأفصح عنها وأصر على إنجازها استجابة لمتطلبات التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تعاظمت استحقاقاتها في هذه المرحلة، وأصبحت من مقتضيات التجديد الديمقراطي والسياسي، التي تحظى باهتمام كبير متواصل من أبناء شعبكم الوفي الذي ينظر إلى استمرار مسيرة الإصلاح والتطوير باعتبارها الوسيلة المثلى لإحداث تغيير نوعي في أداء مؤسسات وسلطات الدولة، بما يضمن تكريس المبادئ الديمقراطية وتوفير كافة الضمانات القانونية والعملية لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية وفق أفضل المعايير الدولية والإنسانية، وبما يحقق تعزيز الثقة بينهم وبين الدولة التي ترعى شؤونهم ويرتقي بأداء مؤسساتها إلى أرفع المستويات لتحقيق الصالح العام ضمن استشراف للمستقبل يتميز بوضوح الرؤية وتحديد الأهداف الوطنية ومراحل تحقيقها.
صاحب الجلالة، لقد استرعى اهتمامنا جميعا، واهتمام المواطنين كذلك ما ورد في رسالتكم الكريمة من توجيهات تضمنت إدراكا عميقا لمفهوم الرقابة على دستورية التشريعات ووجوب تطوير أدواتها لتتمكن من النهوض بمسؤولياتها التي تتعاظم في ضوء استحقاقات المرحلة السياسية القادمة ومسيرة الإصلاح التي تتولون رعايتها والنهج الأردني الخاص الذي اعتمدتموه لبناء المستقبل الأفضل المنشود، وبخاصة انتخاب مجلس نواب جديد تنبثق عنه حكومة برلمانية معبرة عن الإرادة الشعبية من خلال انتخابات نزيهة تشرف عليها الهيئة المستقلة للانتخاب والتي كانت من الإنجازات الإصلاحية البارزة الجديرة بالاعتزاز التي تضمنتها التعديلات الدستورية الأخيرة.
ونقدر كذلك عاليا ما أشرتم إليه من مهام أساسية للمحكمة الدستورية، باعتبارها ضمانة لتعزيز الفصل والتوازن بين السلطات واحترام سيادة القانون والشرعية، ومواءمة القوانين والأنظمة مع الدستور نصا وروحا، مما سيترتب عليه إحداث تغيير نوعي بأداء جميع السلطات فضلا عن التوصل إلى توحيد الاجتهاد الدستوري، باعتبار أن المحكمة هي المرجع الوحيد لتفسير الدستور وأن قراراتها كما تفضلتم بالقول، ستكون هادية ومرشدة لكل سلطات الدولة، ويتوجب على الجميع احترامها والالتزام بها.
ولقد جاء تأكيدكم الهام على جملة المبادئ القانونية والقضائية والأخلاقية التي ستكون نبراسا للمحكمة في أدائها، وأهمها حرص المحكمة على تجسيد الحيادية والاستقلال والشفافية والبعد عن تأثير أي جهة كانت، سيكون موضع اعتزاز وسيجري التقيد به بإذن الله بدقة وصرامة، يساندها بذلك مجموعة الضمانات التي تهيأت للمحكمة وقضاتها في أداء واجبها وأعمالها.
صاحب الجلالة، "إننا نثق بأن ما ورد في رسالتكم الهامة من توجيهات وإيضاحات، سيوفر للمواطن دون شك أدوات ومكنا دستورية وقانونية جديدة تعزز حماية الحقوق والحريات العامة والخاصة، وبخاصة أننا نرتكز وننطلق في مسيرتنا مستندين إلى تراث وطني مليء بالخبرة القضائية المتراكمة لدى المؤسسات القضائية الأردنية، وعلى هدي مما تضمنه تراث وطني تراكمي يحفل به تاريخنا بعامة، ويؤمن بالانفتاح واستلهام قيم العدالة وإدراك مستنير لتجارب الأمم ومعطيات العصر وتحديات المستقبل".
مما يهيئ كل الظروف اللازمة، لتكرس، هذه الخطوة التاريخية بإنشاء المحكمة الدستورية، الوطن الأردني دولة للقانون وحمى للحريات وحماية لكرامة الإنسان وصونا للقيم العليا التي يزخر بها تاريخنا وتاريخ الإنسانية جمعاء.
صاحب الجلالة، إننا نعتقد بحق ان استحداث المحكمة الدستورية الذي أوليتموه اهتمامكم البالغ يشكل بالضرورة تعزيزا لإيمان المواطنين بأن مستقبلهم مزدهر وأن ربيعهم الدائم سيظل مزهرا ويانعا، وأن أفق المستقبل الواعد يمتد إلى أبعد مدى، مؤكدين على أننا سنعمل كل ما بوسعنا لتحقيق أهدافكم النبيلة لرفعة هذا الوطن وتقدمه وأداء رسالته في التقدم والرقي والمساهمة في تحقيق حياة أفضل للمواطن بخاصة وللمجتمع الإنساني في كل مكان.
ونحن نكرر شكرنا لم قدمتموه جلالتكم في هذه اللحظة المجيدة للمحكمة الدستورية وأعضائها من توجيه ودعم، متميز مؤكدين أن رعايتكم الساهرة وعونكم المستمر سيكون خير معين لنا لأداء واجبنا الوطني الذي أوكلتم إلينا شرف أدائه.
حفظكم الله العزيز القدير ورعاكم، وبارك مسيرتكم وأمد في عمركم وعطائكم، رئيس المحكمة الدستورية القاضي طاهر حكمت.
( المدينة نيوز - بترا)