الثورة الفرنسية والثورة المصرية

عندما زار الرئيس الأميركي نيكسون الصين، سأل ماوتسي تونغ عن رأيه في الثورة الفرنسية. أجاب "من المبكر الحكم عليها". الذين يطلقون أحكاما مرسلة على الربيع العربي والثورة المصرية بخاصة، يحتاجون إلى التمهل كثيرا. من يزور القاهرة، يدرك حجم التغير السياسي، بقدر ما يلحظ بطء وربما جمود الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. سياسيا، حصلت قفزات كبرى؛ فحكم العسكر انتهى حقيقة، وصرت ترى بلدا طبيعيا. الرئيس لم يعد مقدسا ولا مستباحا؛ احتل مرسي مكانة الرئيس الخاضع للنقد والحساب. في بداية عهده، كان يعامل باعتباره موظفا لدى المجلس العسكري. وبعد إطاحة العسكر، أدرك المصريون أنهم للمرة الأولى في تاريخهم الحديث أمام رئيس مدني لن يحكم إلى الأبد.
في المقابل، يدرك المصريون حجم الإرث الذي خلفه مبارك، والقضاء واحدة من الكوارث. وتعيين مرسي نائبه من خلفية قضائية، وهو من أبطال معارك استقلال القضاء، يظهر الأهمية القصوى التي يعطيها لاستقلال القضاء وسيادة القانون.
فساد القضاء يحتاج وقتا، كما فساد جهاز الأمن، والتسرع في تغييرهما قد يفضي إلى الفوضى التي تهون أمامها الفوضى الراهنة. ومشكلة الرئيس مع التغيير أنه إن ترك القضاء على حاله اتهم بالعجز، وإن غير اتهم بالتجاوز على السلطة القضائية. المواطن العادي الذي تقابله أكثر صبرا وعقلانية من كثير من النخب التي تظهر على شاشات الإعلام. وفي ديمقراطية ناشئة، يلعب الإعلام الفاسد دورا أسوأ من القضاء الفاسد.
سائق التاكسي يعتمد عليه في رصد الانطباعات. انتخب حمدين صباحي، لكنه يريد إعطاء مرسي فرصة. هو عينة من الشعب المصري المسحوق، يدرس أولاده الخمسة في مدارس الحكومة التي يصل عدد طلبة الفصل فيها إلى مئة. كيف يمكن بناء نهضة تقوم على البشر في ظل فصول دراسية لا تصلح زرائب غنم؟ كيف يمكن تأمين موارد لبناء جيل النهضة؟ هذه القضايا أكثر أهمية من مشاجرات ميدان التحرير بين الإخوان وخصومهم.
عودة للثورة الفرنسية؛ فلم يكن الفلاحون يتحدثون بفرنسية باريس بحسب كتاب "من فلاحين إلى فرنسيين"، ولم يكن ثمة مواطنة. في مصر ما قبل الثورة، بنيت النظرية الاقتصادية على قاعدة السحاب الممطر، فقلة تحلق في السماء، وعندما تمتلئ تمطر فيعم خيرها الجميع، أي إعادة إنتاج نظام الإقطاع الذي ساد قبل الثورة الفرنسية، بكل تجلياته الاقتصادية والثقافية.
لا نحتاج إلى مئة وخمسين عاما حتى نحكم على الثورة المصرية والربيع العربي. وفي المقابل، لا نستطيع الحكم عليها في مئة يوم من حكم مرسي أو عام من انتصار الثورة. ليس سهلا بناء المؤسسات الديمقراطية أو ترميمها، والأصعب هو تجذير الثقافة الديمقراطية.
لقد نجحت الثورة المصرية في الاختبار الأصعب، وهو التخلص من الورم الخبيث مجسدا بنظام مبارك. لكنها تحتاج وقتا لاستعادة العافية وبناء جسم قوي قادر على الحركة والنهوض. والثورة لم تعد محصنة في الشارع فقط، بل في مؤسسة الرئاسة، الأقوى في مصر. والمشكلة في الوسط ما بين الشارع والرئاسة، وهذا ما يتطلب وقتا.
لا تقل الثورة المصرية تاريخية عن الثورة الفرنسية، وفصولها لم تكتمل بعد. وهي تنتصر ليس بتنظيف القضاء، وإنما بتنظيف الشوارع أيضاً.
( الغد )