الفقر النـّسبيّ !!

حسب تقرير نشرته «هارتس» لهيلا فيسبرغ فإن ثلث الاسرائيليين تحت خطر الفقر، ولم تكن هذه النسبة هي السائدة في العقد الماضي مما يجزم بان المجتمعات التي تنتج عددا محدودا من الاثرياء لا بد ان تنتج اضعافا مضاعفة لذلك العدد من الفقراء فالمسألة جدلية، لكن اسرائيل تقارن فقراءها بفقراء الاتحاد الاوروبي الذين لا تتجاوز نسبتهم ستة عشر بالمئة من مجموع السكان، وذلك بخلاف الاعلام العربي الذي وجد ضالته بل اختراعه الذي يستحق براءة عليه في الدول الاكثر فقرا، وذلك على طريقة المقارنة بين المريض والميت او على طريقة المثل القائل من يخشى من الموت يقبل بالسخونة بل يعتبرها بشارة لكونه على قيد الحياة.
حدث هذا مرارا، على مستوى متوسط الدخل والعمر ونسب التعليم والبحث، وكأن الاعور يبحث عن عميان يقارن حاله بحالهم بدلا من ان يصلح عينه او يحافظ على العين الباقية، ولو قارن الباحثون الاسرائيليين اوضاعهم الاقتصادية والصحية بنا نحن العرب لما كان هناك مشكلة، فنحن الان نتمتع بنسب عالية ونحسد عليها من الفقر والامية والمرضى، والتحليل النفسي لا الاقتصادي او الاعلامي لهذه الظاهرة هو ببساطة ان هناك من يريدون ان يكونوا عمالقة لكن بين الاقزام وعباقرة لكن بين البلهاء واصحاء لكن بين الموبوئين والمصابين بكل اشكال الانيميات.
ان الفقر بحد ذاته ليس عورة يجب سترها رغم ان موروثنا الديني علمنا ان نقتل الفقر اذا تجسد بكائن، والعورة الحقيقية الفاضحة هي تقنيع الفقر وطلاؤه بمساحيق تجميل، سواء كانت قروضا ومديونيات او ارتهانات، وفي كل المجتمعات التي قطعت شوطا في قهر التخلف كان التشخيص والشفافية هما شرط العلاج، فالمرضى الذين يكذبون على اطبائهم عليهم ألا يفاجأوا بما يلحق بهم من كوارث، والتخلف بحدّ ذاته وباء وليس مجرد مرض او وعكة، والتواطؤ عليه ومحاولة اخفائه اشبه بجريح يغطي جرحه الفاغر بلا تعقيم لمجرد انه يخجل منه.
واسرائيل ليست نموذجا باية حالة، لكن عقد ندوة يشارك فيها علماء نفس واجتماع لمجرد ان ضبط صبي في كيبوتس في وضع غير طبيعي معناه ان هناك اعترافا ورصدا. وليس تواطؤا وتباطؤا وبالتالي فرارا من مواجهة الحقيقة.
ومن التعميم ان يوضع فقراء العالم كله تحت عنوان واحد وفي خانة واحدة، رغم ان اسباب فقرهم قد تكون هي ذاتها وهي ما بلغته الرأسمالية من توحش، وكان الشهيد غسان كنفاني يقول عن مخيمات الفلسطينيين بعد النزوح ان خيمة عن خيمة تفرق لان هاجس الطبقات والتراقب لا يختفي حتى في المخيم، فثمة خيمة بعمود واخرى بعدة اعمدة، اضافة الى اشكال الخيام ومساحاتها والمادة المصنوعة منها.
وفي حالتنا العربية لا نعرف باية معجزة سنواجه تخلفنا وفقرنا وامراضنا اذا كانت العلاقة مقطوعة بين التشخيص والعلاج وبين الطبيب الذي يجري الجراحة الغليظة وطبيب البينج؟؟
ما يجب التنبيه اليه هو ان كلمة الفقر اوسع بكثير من دلالاتها الاقتصادية، فالجهل فقر مدقع بل افقار، والاقصاء المتبادل فقر قد يكون اكثر ادقاعا، واذا كان فقر الدم انكى من فقر الجيب فان فقر الحضارة والوعي يتجاوز الاثنين معا..
اما بالنسبة لاسرائيل فعلى باحثيها أن يعترفوا بنسبة الفقر التي أصدرتها للفلسطينيين، لكن السارق لا يؤتمن حتى على حصة شريكه من المسروق!
( الدستور )