أمة مستباحة الحمى
قبيل عيد الأضحى بأيام دُمّر معظم مجمع اليرموك للصناعات العسكرية في السودان، ولم تكن تلك الهجمات الأولى على السودان، بل سبقها هجمات مماثلة، والجهة المهاجمة لم تعلن عن نفسها رسمياً، والسودان اتهم سابقاً وحالياً إسرائيل، وهي بدورها لم تنف ولم تؤكد. أما السودان فقرر أنه يحتفظ بحق الرد مستقبلاً. ولا ندري متى سيكون؟
وإسرائيل يومياً تتدرب منفردة، ومتعاونة مع دول أخرى عسكرياً ومدنياً، وتعلن جاهزيتها العسكرية لضرب أي هدف مهما يكن بعيداً، ويمكن له أن يهددها ولو بعد أمد بعيد ، وفي أي دولة عربية أو إسلامية. ولكن لم تحدث إزاء ذلك أي ضجة إعلامية أو دبلوماسية...الخ ، سواء كان للقصف الفعلي المباشر أو للتهديد الكلامي.
ولونظرنا للأمة العربية والإسلامية لوجدنانها هي الأمة الوحيدة التي أُحتل الكثير من أراضيها ودولها، وبقوات لدول عدة ومختلفة، إما باحتلال مباشر، أو باحتلال مقنع بالخبراء والمدربين. فمن باكستان وإفغانستان والتي تلاحق فيها الطائرات دون طيار أي قافلة مشبوهة وقد تكون لعرس مثلاً، إلى اليمن والصومال وغيرها من أصقاع الأرض.
وبعد احتلال الدول الأجنبية لتلك الأراضي وباستخدام كل المبررات والذرائع، واستصدار القرارت الأممية، يتم نهب ثرواتها ومواردها، ثم تُصدر لكل مغتصب وناهب، فيزداد غنى، ونزداد فقراً على فقر، وبؤساً زيادة على ما نحن فيه.
ولا نكاد أن نجد رقماً تقريبياً صحيحاً لعدد القتلى والجرحى من المدنيين أو المحاربين مثلاً من أبناء الأمة الإسلامية والعربية منذ سنة 1979م بداية إندلاع حرب الخليج الأولى، فعددهم بالملايين، ولكم أن تتصوروا مقدار الخاسرة المادية الناتجة عن ذلك. فكم عدد الأيتام والآرامل نتيجة تلك الحروب؟
أما المشردون بسبب تلك الحروب فيبلغ عددهم كما يقال 27 مليون مشرد ولاجئ ، حيث تم تشريدهم عن أرضهم، وفقدوا كل ممتلكاتهم، وبعضاً من أقاربهم. وغالبيتهم من المسلمين والعرب، فكم من الأسر قد تشردت وتباعدت فيما بينها؟
وبالإضافة لقتل العسكريين والمدنيين أثناء الحروب وما بعدها، يعمد المحتلون الغاصبون وأجهزتهم المختلفة لقتل علماء الأمة ومتعلميها. فقتل العلماء العراقيين الكبار والمهندسين والطياريين معلوم للجميع ، وكذلك إغتيالهم في إيران، فهم في نظرهم أعداء حتى وإن كانوا من بلدين أو مذهبين بينهما خلاف ظاهري.
وقد عمد الغزاة لتدمير البنى التحتية ، والمؤسسات القائمة في كل البلدان المحتلة، لزيادة شقاء الناس، ثم ليعتمدوا هم دون غيرهم للفوز بالعطاءات مستقبلاً. ثم بادر الغزاة لتجريب آخر مخترعاتهم العسكرية، وأيضاً خططهم العسكرية الإعلامية والإلكترونية والنفسية...الخ على الأمة العربية والإسلامية.
وزيادة في إهانة الأمة احتلوا مقدساتها ودنسوها، وعمدوا إلى تغيير معالمها، ومنع المسلمون من إقامة عباداتهم فيها، فحددوا أوقاتاً وأعماراً للعابدين، والمسجد الإبراهيمي والأقصى خير شاهد على ذلك، ولم يستثنى من ذلك مقدسات المسيحيين في فلسطين.
وأشاع الغزاة الفرقة والخلاف بين دول العالم العربي والإسلامي، فقل ما تجد حاكماً يثق بالآخر.
ثم نشروا الخلافات المذهبية والدينية والعرقية وضخموها، على الرغم من تعايش الناس معاً لأكثر من أربعة عشر قرناً. هذا وقد وضعوا من الحواجز والإجراءات ما يحول ما بين أبناء الأمة الواحدة. وأثاروا الفتن والحروب ما بين الدول العربية والإسلامية، وأمدوا كلا الطرفين بالأسلحة والخبرات والمعلومات، لتبقى نار الحرب مستعرة.
وأخيراً وليس آخراً أفسدوا المسؤولين في العالم الإسلامي والعربي ، وأغروهم بقبول الرشوة وغش الأمانة، ووافقوا لهم على تحويل الأموال المنهوبة...الخ لبلدان الغزاة ثم جمدوها ونهبوها فيما بعد، والشواهد على ذلك كثيرة. وزيادة على ذلك أفسدوا أخلاق الأمة؛ بنشر الخمور والمسكرات والملاهي الليلية والمراقص ودور القمار، وشواطئ العري...الخ.
وبعد كل ذلك يتساءل المرء هل توجد أمة من أمم الأرض مستباحة الحمى ، حيث يقتل ويهجر أبناؤها من بلدانهم، ويداس على كرامتهم وتغتصب نساؤهم، وتنهب ثرواتهم، ويقتل علماؤهم، وتحتل مقدساتهم، وتدمر مقدراتهم، وتنهب ثرواتهم، وتُثار الحروب بينهم، وتجرب الأسلحة فيهم، هل هنالك من أمة نالت ذلك إلا الأمة العربية والإسلامية؟
وللتذكير فقط فقبل مائة عام كان البحر الأحمر بحيرة إسلامية وعربية، فلم يكن مسموحاً عبور البواخر الحربية غير المسلمة به، خوفاً على الحرمين الشريفين.
إن أمتنا مستباحة الحمى ،أرضاً، وبحراً، وجواً، وبشراً ...فهل لها من حام؟