الملك استجاب لرغبة الشارع ولم يوقع على قانون " تقاعد النواب "
المدينة نيوز - خاص - كتب محرر الشؤون البرلمانية - : أحد النواب المخضرمين قال للمدينة نيوز: "لم يمر مجلس على الأردن كما كان مجلس النواب السادس عشر، فقد كان مطواعاً لكل "التوجيهات"، أعطينا كل الحكومات ثقة، سَكرنا كل ملفات الفساد، ومنعنا محاكمات "رؤوس كبيرة"، ومشينا قانون الإنتخابات، وبصمنا على قانون المطبوعات، كانوا يعشموننا بالحلق، وكله طلع كلام فاضي، وإحنا طلعنا مِن المولد بلا حمص، وما نالنا إلا البهدلة وسواد الوجه مع الناس" وعندما سألناه عن سبب تشاؤمه إلى هذه الدرجة، قال: من المتوقع أو الأكيد أن المدة الدستورية لمصادقة الملك على مشروع قانون التقاعد المدني الذي أقره مجلس الأمة بتاريخ 24/4/2012 الذي يمنح أعضاء مجلسي الأعيان والنواب راتباً تقاعدياً دون النظر لوجود خدمة مقبولة للتقاعد. إلا أنه وحتى هذه اللحظة لم يتم الإعلان عن صدور الإرادة الملكية بالمصادقة على القانون. المدينة نيوز سألت فقيهاً دستورياً، في هذا الخصوص، حيث شرح بالتفصيل أن المادة 93 من الدستور تنصّ حرفياً "إذا رفض أحد المجلسين مشروع أي قانون مرتين وقبله المجلس الآخر مُعَدلاً أو غير مُعَدل يجتمع المجلسان في جلسة مشتركة برئاسة رئيس مجلس الأعيان لبحث المواد المختلف عليها ويُشترط لقبول المشروع أن يَصدر قرار المجلس المُشترك بأكثرية ثلثي الأعضاء الحاضرين وعندما يُرفض المشروع بالصورة المبينة آنفاً لا يُقدّم إلى المجلس في الدورة نفسها" وهو ما حدث عندما رد مجلس النواب أول مرة القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 "قانون معدل لقانون التقاعد المدني" والذي يمنع حصول النائب والعين على امتياز التقاعد المدني، كما يستثني مدة العضوية في مجلس الأمة من الخدمات الخاضعة للتقاعد، وعندما عُرض القانون على مجلس الأعيان، لم يتم تمريره كما جاء من النواب، وتم إجراء بعض التعديلات التي تحدد شروطاً لمنح الراتب التقاعدي للنواب والأعيان، وعندما عاد القانون مرة أخرى إلى مجلس النواب، تم رفض التعديلات التي أدخلها الأعيان، وتم رده للمرة الثانية، وبتاريخ 24/4/2012 تم عقد جلسة مشتركة للأعيان والنواب، وفقا لأحكام المادة “92” من الدستور، حيث صوت المجلسان بأغلبية الأعضاء على رفض القانون المؤقت بأغلبية 120 صوتا من أصل 155 الذين حضروا الجلسة، ما يعني بالضرورة العودة إلى قانون 1999، الذي يمنح أعضاء مجلس الأمة راتبا تقاعديا، بدون النظر لوجوب وجود خدمة مقبولة للتقاعد. ويكمل الفقيه الدستوري حديثه: البند "1" من المادة 93 من الدستور، ينصّ "كل مشروع قانون أقره مجلسا الأعيان والنواب يُرفع إلى الملك للتصديق عليه" وهذا إجراء طبيعي، وهو ما قامت به الحكومة أنذاك.
وحسب البند "2" من نفس المادة "93" من الدستور والذي ينصّ "يسري مفعول القانون بإصداره من جانب الملك ومرور ثلاثين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية إلا إذا ورد نصٌ خاص في القانون على أن يسري مفعوله من تاريخ آخر". وهو ما لم يحدث، وأجزم أن الأمر عائد إلى عدم رضا الملك عن القانون، خاصة وأنه –أي القانون- جوبه برفض شعبي عارم.
وفيما إذا كان هذا التفسير يعني أن القانون لم يعد فاعلاً أو كأنه غير موجود، أفاد الفقيه الدستوري، بأن البند "3" من المادة 93 من الدستور جاء فيه حرفياً "إذا لم يَرَ الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة أشهر من تاريخ رفعه إليه أن يرده إلى المجلس مشفوعاً ببيان أسباب عدم التصديق".
وحيث إن الجلسة المشتركة للأعيان والنواب عُقدت بتاريخ 24/4/2012 وعلى إفتراض أن الحكومة رفعت القانون إلى الملك لتوشيحه بالإرادة الملكية السامية بعد ذلك بيومين أو ثلاثة على أبعد تقدير، فهذا يعني أن المدة الدستورية الممنوحة للملك برد القانون إلى المجلس قد إنتهت.
وحيث أنه لا يوجد مجلس النواب مُنعقد "مُنحل" فإن الأمر مُعلّق إلى حين الإنتهاء من الإنتخابات النيابية، ودعوة المجلس الجديد للإنعقاد وعرض القانون عليه.
الجدير ذكره، أن 28 نائبا من المجلس "المُنحل"ً و12 عيناً لا يحصلون على أي راتب تقاعدي، حيث أنهم لم يخدموا في أي من مؤسسات الدولة، وفي حال تمت المصادقة على القانون، فإن النائب الذي يدخل البرلمان لأول مرة ولم يخدم في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة ولم يحصل على تقاعد، فإنه يحصل على راتب تقاعد مقداره 960 ديناراً مدى الحياة، وهو الحد الأدنى لراتب التقاعد، بينما من خدم في مؤسسات الدولة لمدة 15 سنة فإن راتبه التقاعدي يرتفع الى 1200 دينار، أما مَن خدم ما بين 15-18 سنة فإنه يحصل على 1500-1800 دينار، أما مَن خدم أكثر مِن 18 سنة فإنه يحصل على 2200 دينار. وحسب خبراء فإن كلفة تقاعد مجلس الأمة دون إحتساب تقاعد أعضاء المجالس القادمة، فإنها ستصل الى 3.5 مليون دينار سنوياً.
هذا وكشفت مصادر عليمة بكواليس المشهد السياسي، بأن الإتجاه العام كان لدى الحكومة آنذاك ومعها مؤسسات الدولة السيادية، عدم تعطيل مسار الحياة التشريعية، خاصة مع تهديد 40 نائباً بمقاطعة جلسات مجلس النواب احتجاجاً على موقف مجلس الأعيان –أنذاك- بتأجيل ادراج قانون التقاعد المدني على جدول أعماله، مما إستدعى رئيس مجلس الاعيان طاهر المصري التنسيق مع رئيس مجلس النواب عبدالكريم الدغمي، لبحث الموقف من قانون التقاعد المدني في ظل تهديد النواب الأربعين بمقاطعة جلسات مجلس النواب، وكانت الخشية من تنفيذ النواب الأربعين لتهديدهم بمقاطعة جلسات مجلس النواب، الأمر الذي يؤدي الى تأخير أو تعطيل إنجاز التشريعات الناظمة للاصلاح السياسي وخاصة قانون الإنتخاب، فكان المخرج الوحيد هو "مسايرة النواب" والإتفاق على إدراج القانون على جدول أعمال الأعيان، وفي حال رفض النواب تعديلات الأعيان يتم عقد جلسة مشتركة، وإن تم رد القانون بأغلبية ثلثي الحاضرين للجلسة المشتركة، فإن الأمر متروك للملك.
وهنا أكدت المصادر ذاتها أن الملك إستخدم حقه الدستوري في رفض مشروع القانون، وعدم المصادقة عليه بإعتباره قانوناً يتعارض مع مصالح الشعب الأردني، ويتسبب بهدر المال العام، وإعطائه لغير مستحقيه.
وعن مدى دستورية إقرار النواب لهذا القانون، فقد أفصح الفقيه الدستوري، بأن مجلس النواب لم يراعِ مبدأ الحياد الوظيفي التشريعي، في تعاطيه مع هذه القانون، الأمر الذي يجعل النصوص الواردة فيه لا تتفق وأحكام الدستور، لأن مجلس النواب الكريم- مع الاحترام- انحرف بسلطته التشريعية لتحقيق منافع خاصة، حيث أن الأصل بالتشريع الذي يُسَنّ عن طريق البرلمان يتعين أن يستهدف المصلحة العامة، ولا يخفى على أحد بأن رد النواب للقانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 "قانون معدل لقانون التقاعد المدني" يهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية للسادة النواب، وهذا يُخرج التشريع عن إطار المصلحة العامة الجامعة .كما أنه من المبادئ الدستورية المُسلّمة، إنه إذا خَوّل الدستور المُشرّع العادي سُلطة تقديرية لتنظيم مسألة ما، فيجب ألا ينحرف المُشرّع عن الغرض الذي قصد إليه الدستور وهو كفالة ممارسة هذه الأمور في حدودها الموضوعية، من ثم إذا أصدر تشريعاً يتعارض مع هذه المبادئ، كان هذا التشريع باطلاً لما ينطوي عليه من انحراف في استعمال السلطة التشريعية في تحقيق المصلحة العامة للجامعة إلى غايات أخرى بجانب هذه المصلحة، وهي المصلحة الخاصة للسادة النواب، مما يجعل هذا القانون غير دستوري.
والسؤال : هل " طلع النواب من المولد بلا حمص " .. ؟؟
كل لمؤشرات تقول : نعم .