مليون فلسطيني في دائرة التهديد والتشـريد

تم نشره الخميس 01st تشرين الثّاني / نوفمبر 2012 12:40 صباحاً
مليون فلسطيني في دائرة التهديد والتشـريد
عريب الرنتاوي

لم تنجح سياسة “النأي بالنفس” في إبقاء الفلسطينيين في سوريا خارج دائرة النار والدمار التي تلف البلاد من شمالها لجنوبها ومن شرقها إلى غربها...لقد نأت بالمخيم الفلسطيني لبعض الوقت عن حروب الإخوة الأعداء، لكنها لم تنجح في “فصل المسارين” السوري والفلسطيني المشتبكين على وقع الصراع المُحتدم في سوريا وعليها.

مخيم اليرموك، ومن قبله مخيمات أخرى في اللاذقية ودرعا، اكتوت بنار الأزمة السورية...النظام لم يقبل “جحود” حلفائه و”إنكارهم للجميل”...والمعارضة (المسلحة على وجه الخصوص) لا ترتضي بأقل من “شراكة الدم” في مواجهة “العدو الأسدي المشترك”...والفلسطينيون أنفسهم منقسمون بين مؤيد للنظام حد “العمالة”، ومعارض له حد “الشهادة”، وبين هذين الحدين الأقصيين، يتوزع أكثر من نصف مليون فلسطيني على مروحة واسعة من المواقف والألوان والأطياف.

لقد وقع المحظور، وبدأنا نشهد أسوأ ما في كوابيسنا، يُترجم على حواف مخيم اليرموك وفي ساحاته وأزقته...فلسطينيون يُقتّلون خارج وطنهم، وفي معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والأرجح أنهم سيدفعون الثمن دائماً، وفي مختلف الحالات والسيناريوهات، وسيُحملون أوزاراً لا قبل لهم بها، ولا صلة لهم بأسبابها ونتائجها.

وكلما ازدادت حدة المعارك والاستقطابات المحلية والإقليمية في الأزمة السورية، بدا أن سياسة “النأي بالنفس” تواجه اختبارات أصعب وأشد تعقيدا، وكلما ازدادت صعوبة الحفاظ عليها والعمل بهديها...فالنظام كما خصومه، يخوض معركته الأخيرة، وحلفاء النظام من الفلسطينيين وخصومه، ما عادوا يقبلون الجلوس على مقاعد الجمهور، لقد قررا النزول إلى الملعب، ومقابلة بعضهم بعضاً بمختلف صنوف الأسلحة وأدوات القتل والدمار..لقد جعلوا من المخيم ساحة إضافية لتصفية الحسابات بين النظام وحلفائها والمعارضة وداعميها...لقد جعلوا من أنفسهم وقوداً لمعارك الآخرين (ليست معركتهم بأي حال)، والمرجح أنهم سيدفعون الثمن مضاعفاً.

سياسة النأي بالنفس، لم تسقط فلسطينياً فحسب، لقد سقطت لبنانياً كذلك، ودائماً على وقع اشتداد المعارك في سوريا وغياب “الأفق السياسي للحل”، ودخول الأطراف المُحتربة مرحلة متقدمة في لعبة “كسر العظم”...ما شهده لبنان قبل وبعد اغتيال العميد وسام الحسن، يعطي صورة عن الكيفية التي تلقي بها الأزمة السورية بظلالها الكئيبة والكثيفة على الأزمة اللبنانية.

نصف مليون فلسطيني آخر (وفق الإحصاء الرسمي اللبناني، عددهم أقل من ذلك بكثير)، يواجهون تداعيات سقوط سياسة “النأي بالنفس” فلسطينياً ولبنانياً على حد سواء...الانقسامات داخل المخيم الفلسطيني في سوريا، لها رجع صدى في المخيم الفلسطيني في لبنان، واتساع الفجوة من 8 و14 آذار، مرشح لأن يأخذ في طريقه سياسة “الحياد الإيجابي” للمخيم الفلسطيني بين فريقي الصراع اللبناني.

أمس، كان الفلسطينيون في قلب دائرة الاتهام بحمل “السلاح السلفي” وتقديم خدمات “ميليشاوية” لتيار المستقبل وحلفائه...وقبلها كان الفلسطينيون في قلب دائرة الاتهام في اشتباكات “الطريق الجديدة” بين أنصار المستقبل وأنصار حزب الله...واليوم يطلع علينا فريق 14 آذار بمطالعة عرمرمية عن “السلاح الفلسطيني داخل المخيم وخارجه” والحاجة لنزعه وبسط سلطة الدولة.

والحقيقة أن مسألة السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها، باتت جزءا من “لعبة تسجيل المواقف” الانتهازية بين الأفرقاء اللبنانيين...لا أحد يريد نزع هذا السلاح أو الانتهاء منه، كل فريق لديه “حصة” فيه و”نصيب” منه، لكن لا بأس من إثارة المسألة لإحراج حزب الله حيناً، والنظام السوري أحياناً...لا بأس من استحضاره في السجال المحلي، للبرهنة على “استقلالية الاستقلاليين” أو “سيادية السياديين” أو “مقاومة المقاومين”...مع أن هذا السلاح خرج فعلياً من دائرة المقاومة منذ العام 1982، ولم يعد طرفاً في نزاعات لبنان الداخلية، والأطراف الفلسطينية جميعها من دون استثناء، لم تعد تتحدث عنه بوصفه “سلاحا مقاوما”...ولماذا سلاح مقاوم في لبنان؟، فيما الضفة تخضع للتنسيق الأمني والقطاع يخضع لـ”هدنة مفتوحة” على الأجيال القادمة، وكلا الجانبين، فتح وحماس، يتحدثان (حديث فقط دون فعل) عن إستراتيجية المقاومة الشعبية بديلا فعلياً لإستراتيجية المقاومة والكفاح المسلح، حتى وإن لم يُقل ذلك بصريح العبارة.

لو خلصت نوايا اللبنانيين، وتوفر إجماعهم حول “ملفات الفلسطينيين في لبنان”، لما كان السلاح عقبة كؤود تحول دون التوصل إلى اتفاق فلسطيني لبناني بشأنه...الرئيس عباس عرض على قادة لبنان استعداده للمساعدة على حل المشكلة وحماس ليس لها جيوش جرارة من المسلحين في لبنان في المخيمات، وبعض السلاح الفلسطيني (أو بالأحرى الكثير منه) لم يعد يأتمر بأوامر فلسطينية، بعضه يأتمر بأوامر دمشق وحلفائها، وبعضه الآخر بأوامر المستقبل ورعاته، وبعضه الثالث بأوامر أيمن الظواهري و”تفريخاته” ، وكل هذا وذاك وتلك، لا علاقة لها بقضية فلسطين وتحريرها واسترداد حقوق أهلها.

الأزمة السورية المفتوحة على شتى الاحتمالات والسيناريوهات، تعرض مصائر مليون فلسطيني في سوريا ولبنان لشتى أخطار التهديد والتشريد، وقد آن الأوان لوقفة فلسطينية حازمة حيال هذا الملف الشائك، ولتحرك فلسطيني استباقي، لتدارك ما يمكن تداركه...آن الأوان لعزل تيارات “العمالة” و”الشهادة” وإعادة الاعتبار لسياسة “النأي بالنفس” أو ما تبقى منها، وهذا أضعف الإيمان .( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات