شارع المعتصم
الذي ينحدر بمسيره من الدوار الأول باتجاه وسط البلد تاركاً شارع الرينبو على يمينه ,(طبعاً على الأقدام )لأن المنحدر هذا (ون ويه )طلوع للسيارة ,وبوسط المنحدر تأخذ شمالك طريقاً لتدخل شارعاً من أهم الشوارع وأبرزها شهوداً على تأسيس عمان منذ الستينات ,ألا وهو شارع المعتصم الذي عشت فيه طفولتي وأياماً لن أنساها مهما طال بي الزمان .
جبل عمان هو الأرقى في الثمانينات وهو الأبرز مع اللويبدة في نهضة الثقافة العمَّانية , فأسلوب الحياة السائد في الثمانينات التي شهدتها أنا هي ملخص ثقافة العمَّانيين ,كوني أعتبر نفسي عمَّانياً منذ البداية وإلى الآن لأنني شديد التأثر بذاك الماضي الجميل الذي كانت عمان فيه قرية يعرف الجيران بعضهم بعضاً ويتعايشون بود واحترام منقطعي النظير ويغار الجار على جاره ويحافظ على بيته وكأنه بيته الخاص ,الى أن جاءت الفترة المعروفة بالتسعين وثورة النهضة الكبيرة في عمان بعد أحداث الكويت وعودة أغلب المغتربين وبناء عمان الغربية بشكل ليس بالطبيعي حتى أصبحت خلدا وتلاع العلي ثم الصويفية ودابوق الى ان وصلنا الى دير غبار التي كانت تشتهر بكثرة انتشار الضباع والوحوش قبل التسعينات من أرقى المناطق العربية, وأكثرها تفتيتاً وتمزقاً اجتماعياً.
عودة الى الأصالة ومثالاً عليها شارع المعتصم في منطقة الدوار الأول في جبل عمان , هناك بعد أن فتحت عيني على الدنيا ووعيت عليها بدأت تتشكل ثقافتي وشخصيتي ,هناك حيث كنت ولا زلت أعتبر أن لا حياة جميلة سوى الحياة في هذا الشارع وذاك الحي المعروف سابقاً بحي الملفوف, الشارع يقطنه (وأتكلم هنا عن الثمانينات) أغلبية سلطية تتبعها الشركسية التي كانت تملك أغلب عقارات الشارع المذكور ,ثم بعض القادمين من نكسة 67 وعائلة حلبية وعائلة أرمنية وثلاث عائلات من الشمال ,نحن بيت المومني كما كنا نُعرف وجار عزيز من بيت التل كان يعمل مُخرجاً وكنت صديقا حميما لابنتيه حنين وشروق الفتاتين اللطيفتين ولا أدري أين هما الآن ,وثالث الشماليين هناك هو ابو يوسف من بلدة شطنا وهو مسيحي كان يملك دكانا نشتري منه شوكولا المارس لما كان ثمنه 15 قرش.
مررت بذاك الشارع قبل أسبوعين بعد أن تركته قبل أكثر من عشرين سنة ,دعوني أكمل لكم باقي تفاصيل الحي الذي تذكرت كل أبطاله وأحداثه وبيوته فكل شيء كما هو لم يتغير ,واقفاً بصمود أمام كل التطور الحجري والحديدي في عمان مدافعاً عن خصوصيته التي لمستها وأنا اتجول في الشارع أسرد الذكريات لنفسي ,حيث أن من كان بالشارع ممن جاءوا بعد أن ترك ربما جميع السكان السابقين الحي والشارع ورحلوا كانوا ينظرون إلي وأنا أتصوع تصوعاً في زوايا وأركان الشارع مخدر الإحساس أمام نظراتهم باستغراب لهذا الغريب الداخل الى شارعهم ,مخدراً بسبب أنني أعيش بسنوات الى الوراء ولست معهم ,فجأة انتبهت اليهم أنهم يراقبونني أتجول وأقف عند كل باب ولم ألتفت لهم أبداً فقد وقفت أمام باب بيت ابو ايمن ابو نوار وتذكرت الفولفو الخضراء التي كانت تقف امام بيتهم وتذكرت شيرين التي كنا نلعب معها سويا لاننا بنفس السن البريء,انتقلت بنظري الى اليسار تذكرت بقالة ابو يوسف الذي من شطنا ولا زالت الدكان موجودة لكنها مغلقة ولم يتسن لي أن أسأل عنه وعن صاحب الدكان الجديد ان كان لها صاحب جديد والتي كنا نعدها دكاننا الخاص ,الى جانب دكان ابو يوسف تماماً تحول محل الخضار العائد حسب ذاكرتي للجغبير الى سوبر ماركت حديث وكان هذا التغيير أبرز التغييرات بل هو الوحيد منذ ذاك الزمان.
تقدمت الى الأمام والى نظرة الى يساري كان بيت ام غالب شامخاً ببلكونتيه العلوية والسفلية ورأيتني أنظر الى البلكونة العلوية وأتذكر ام غالب وهي من نازحي ال67 تنشر غسيل العيال ,وبنفس الوقت تذكرت ابنيها القريبين من سني لارا (الدُّبَّة) ومازن .ثم بتجول سريع بالعيون رأيت الدرج الطويل الذي كنا نصعده تجاه مهند ابن ست انعام لنلعب بالطائرة الورقية وبالأتاري ولا أتذكر شيئا عن النسب لهذه العائلة الا انهم من السلط ثم بيت دعد التي لم ترزق بأطفال وبنفس الصايد تذكرت أم خليل الختيارة التي لا تطفئ سيجارتها والى آخر الشارع الكوربة البعيدة التي سبقها بيت الزبدة ,على الصايد اليمين كانت أحداث دار ابو غوش حاضرة امامي فتذكرت يونس واماني ثم دار ابو محمد حمام الذين غادروا في منتصف التسعينات الى امريكا ولم يخبرنا عنهم مخبر بعد , مع تذكري لكل ابنائهم مهدي وفادي ووليد وحسن الذي فتح كراجاً للسيارات في الوحدات وكان يملك بي أم دبليو وأيضا ابنهم محمد الكبير الذي تزوج المدعوة(بيجي )الامريكية وشاهدتها عندما زار بيت اهله آنذاك وأُعجب الجميع بشقارها ,ثم بين ام صايل الفاعورية وبيت ام زكي التي أتذكر ميدالية مفاتيح بيتها حتى ,ولا ننسى مشغل الشنطي الذي بقي للآن ينجد جميع أنواع الكنب , ولن أنسى بيت الحلبي ومباريات كرة القدم المكونة من خمسة لاعبين على عدد أولاد الحارة المغرمين بكرة القدم ,الى الخف كان يسكن عصام الزواوي الذي قدم فيما بعد برنامجاً متلفزاً موجهاً للشباب , وقبالته كان الدرج الطويل الذي يسوقك الى بداية شارع الملك حسين ثم الى وسط البلد, لن أنسى بيت ام سركيس الذين ينحدرون من أصل أرمني وزارونا بعد رحيلنا الى عبين وزرناهم الى الفحيص عدة مرات بعد ان رحلوا اليها هم ايضا ثم بعد وفاة الجدة الكبيرة ام سركيس غادر الجميع حسب علمي الى امريكا وأتذكر هنا الفتيات الجميلات تمارا ولولو (لوسين) لكن اسم الدلع لولو ونسيت اسم اختهن الكبيرة وهؤلاء الفتيات بنات ابو هوفيك ابن ام سركيس المذكورة .
الشارع بكل أًبطاله وأحداثه وتفاصيله لم ولن يتغير في ذهني أبدا ,حتى هو لم يتغير فيه شيء من التفاصيل الا ربما سكن أبطال القصص التي سطروها فيه موثقين بذلك سيرة عطرة من أيام عمان الأهم ,سطروها ووثقوها ورحلوا كلهم من الشارع ولم يرحل أحدٌ منهم من قلبي ووجداني وذاكرتي وشوقي اليهم واليك يا شارع المعتصم بكل تفاصيلك التي صمدت محافظاً عليها أمام هجمة الحداثة العمَّانية.