كَمَا وَفَّرُوا لَنَا الآمَان ، فَهَلْ نَحْنُّ عَلى قَدَرْ الْمَسْؤُولِيَّة فِي تَوْفِيْرَهُ لِأبْنَائِنَا ؟!
عندما كنت في سن العاشرة من عمري وحينما كنت ألعب وأمرح مع أبناء حارتي المتواضعة والشعبية في مدينة الزرقاء الجميلة حيث كنا وأثناء اللعب أحياناً كثيرة نبعد عن الحارة وأحياناً نتأخر في العودة للبيت لنجد الأهل بعدها وقد – قلبوا الدنيا وأقعدوها – وهم يبحثوا عنا في كل مكان ، وما أن نعود وقد أجهدهم التعب وأقلقهم الإنتظار لنجد العقاب ينتظرنا على فعلتنا هذه الغير مبررة إطلاقاً وما نلاقيه أيضاً من النصح والإرشاد في عدم الإبتعاد عن المحيط الذي نعيش فيه ، ولأن نبقى دائماً أمام أعينهم لحرصهم على حياتنا وتوفير الأمان لنا والمحافظة على تربيتنا أحسن تربية . ولعل ما كنا نشعر به تلك الأيام من حب الإطلاع والفضول في التعرف على معالم وطبيعة جغرافية المناطق والحارات المحيطة بحارتنا بالإضافة إلى مرافقة بعض الزملاء لنا في المدرسة لحارته مهما كانت بعيدة عن حارتنا والمجازفة منا في الإبتعاد دون مراجعة الأهل أو أخذ الإذن منهم والتأخر في العودة والإعتماد على أنفسنا وكأننا مستقلون من تبعية الأهل والإحساس بالطمأنينة والأمان بطريق غير مباشر كان هو الدافع في الإبتعاد والتأخير ، إلا أن الأهل تبقى قلوبهم منشغلة وملهوفة لعودتنا بالوقت المحدد لنا به كالعادة وبكل يوم سواءً من المدرسة أو من اللعب بالحارة .
ولكننا اليوم وقد كبرنا ومضى من عمرنا سنوات طوال وطالما أننا أحسسنا بالإستقلال عن تبعية الأهل ولنا أسرة وأبناء ، وقد أصبحنا نحاسب أبناءنا كما كنا نحاسب من قبل آبائنا وأمهاتنا والحياة مستمرة كما لو كان الأهل معنا حيث أصبحنا نعاقب أبنائنا على كل شيء مخالف المألوف بالأسرة والبيئة الإجتماعية التي نعيش فيها مقدمين لهم النصح والإرشاد في شتى منحنيات حياتهم وما يستجد عليها خلال مسيرتهم الحياتية لمختلف مراحل حياتهم التعليمية سواء بالمدرسة أوالجامعة ولشتى نواحي حياتهم الإجتماعية وما تربطهم من صلات وعلاقات بينهم وبين الأقرباء والأصدقاء والزملاء ، والعمل الدؤوب على تربيتهم تربية حسنة وتوفير الأمان ما أمكن لهم . وغداً سيأتي اليوم الذي يكون فيه أبنائنا مستقلون تماماً عن تبعيتنا الأسرية وسيلاحظون أنهم كبروا وتزوجوا وأنجبوا وتلقائياً أصبحوا أباءاً وأمهات ليسيروا تماماً على نفس طريق أبائهم وأمهاتهم في تربية أبنائهم والمحافظة عليهم كما كنا نربيهم ونحافظ عليهم وتوفير الأمان لهم ، منتظرين الأيام بكل صبر حتى يكبروا ويصبحوا آباءاً وأمهات لتقرَّ بهم عيوننا وكأن الدنيا لا نهاية لنا بها مستمرة ما دام هناك آباءٌ وأُمهات ولطالما كُنا نعيش بأحياء جميلة تقطنها أُسرٌ طيبة تربطها علاقات حميمة وحُسن الجوار مبدئها والقيم الإجتماعية المحافظة عُرفها ، ولنصل في النهاية إلى الصفات الحميدة التي وضعها الخالق عز وجل في النفس البشرية بين أبناء مجتمعاتنا وفي مختلف أحياء وحارات مدننا وقرانا الأردنية من حب وإحترام وصفاء ونقاء وخلق حسن وما حبانا الله به من النعم الكثيرة في هذا الوطن الغالي بترابه الطهور وربوعه الجميلة وما خصنا الله به من قيادة هاشمية حكيمة وشعب أردني عربي أصيل ، وما وهبنا الله به من نعمة الأمان والسلام والإستقرار .
نعم فحياتنا هي إمتداد لحياة آبائنا وحياة أبنائنا هي إمتداد لحياتنا وحياة أبنائهم إمتداد لحياتهم على تراب هذا الوطن الطهور ، فكما حافظ آبائنا على أمننا فلنحافظ على أمن أبنائنا ولو بالشيء اليسير ، كي نكون عند حسن ظن آبائنا بنا وكي لا نكون عاقين لهم ولأبنائنا في عدم توفير الأمن والسلام والإستقرار لهم . وحتى لا يأتي يوم نتحسر فيه ونحن نرى أبنائنا وأمام أعيننا وبأيدينا دمائهم تراق وتسيل دون رحمة أو رأفة أو حتى لا مبالاة في ما يربطنا بهم من علاقة بالدين والدم والبشرية . فلنقول لأنفسنا آبائنا وفروا لنا الآمان فهل نحن على قدر المسؤولية في توفيره لأبنائنا ؟
فيا لروعة الأمل المتجدد في النفس البشرية ، ويا لروعة الخالق في سنة الحياة ، ويا لروعة الحب والعطاء من الآباء والأمهات للأبناء، ويا لروعة الحب والإحترام المتبادل بين أفراد الأسرة الواحدة ، ويا لروعة الحياة بسلام وحنان وإطمئنان في جوٍ ينعم بالأمن والسلام والإستقرار . وهذا شيء يدفع بمن يؤمن بالله العلي القدير ويحب وطنه وأبناء شعبه بأن برفع يديه إلى السماء ويقول الحمد لك يا ربي كثيراً ، والشكر لك يا إلهي كثيراً كما ينبغي لوجهك الكريم وعظيم سلطانك يا عظيم .