عودة الضفة الغربية
منذ الخامس من حزيران 1967م وإحتلال المسجد الأقصى من الصهاينة، تُعرض على مسامع العرب والمسلمين وخاصة أهل فلسطين، حلول سياسية مفترضة؛ بعودة الضفة الغربية للسيادة العربية، والسماح برجوع المهجرين منها. وبعض تلك الحلول تعطي ضوءاً وإن كان خافتاً لعودة بعض اللاجئين لفلسطين المغتصبة عام 1948م.
وما زلت أذكر عندما كنت طفلاً صورة عدد من شباب المنظمات الفدائية في الأردن يحملون الأسلحة الخفيفية في شوارع بعض المدن الأردنية ، وهم يطلبون من الناس أن يوقعوا ضد مبادرة روجرز ، وضد موافقة عبدالناصر عليها. والناس أمام السلاح توقع لهم بما يرغبون، ولكن بعضهم بعد ذهاب المسلحين، يتمنى لو تحقق ذلك. ولكن لم يتحقق أي حلم لدى أي من الطرفين، وما زالت الضفة الغربية محتلة.
وما زالت تلك المبادرات تتوالى على مسامع الناس منذ 67 وحتى الآن، ولكثرتها يصعب حصرها، ومن آخرها مبادرة السلام العربية والتي رفضتها إسرائيل. وكانت محصلة كل المبادرات ؛ كلام ووعود للعرب والفلسطينين، وتهويد واغتصاب واستيطان للصهاينة، وتهجير مقنن لأهل الأرض وأصحابها.
وفي هذه الأيام بدأت التحليلات والأقاويل عن نية إسرائيل بالإنسحاب الأحادي من الضفة الغربية، ووضعت لذلك الكثير الكثير من التوقعات والمقالات...الخ وعن دور لحماس في استلام تلك الأراضي وبالتوافق مع إسرائيل،أو لدور أردني قادم، ...الخ. وانبرى عدد من الكتاب للحديث عن المطالبة بدسترة فك الأرتباط، وخطورة الوطن البديل، وأخرون رحبوا بفكرة عودة الضفة الغربية للأردن، وبعضهم اعتبر ذلك ثرثرة لا مبرر لها...الخ. ومن يقرأ ويسمع للعرب يظن أننا سنحتفل بالعام الهجري الجديد في الأقصى، فإسرائيل وقادتها شربوا حليب الكرم العربي الأصيل !!!!!!!
ولكن يا سادة ألم تسألوا أنفسكم، ما الضرورة القصوى ، وما الخطورة على إسرائيل والتي ستجعلها تتخلى وتنسحب من الضفة الغربية ؟ لماذا سوف تعيد لنا القدس الشرقية مثلاً؟ ما الذي سيجبرها على ذلك؟ وما الثمن الذي ستجنيه مقابل ذلك؟ وكلنا يعلم ما لليهود عامة من براعة ومهارة تجارية.
إن إسرائيل انسحبت من سيناء بعد العدوان الثلاثي بسبب الضغط الأمريكي آنذاك، وانسحبت من سيناء فيما بعد مقابل توقيع كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع أكبر قوة عربية، ومع ذلك جعلتها منزوعة السلاح. وانسحبت من جنوب لبنان جراء المقاومة الشرسة، والخسائر الفادحة ، أما في غزة فلشدة المقاومة وعنفوانها، حيث كان بيريز _ حمامة السلام_ وشارون يتمنون أن يبتلع البحر غزة وما فيها.
ولكن لماذا سيتخلى الصهاينة عن الضفة الغربية وقد بلغ عدد المستوطنين الغزاة فيها ما يقارب نصف مليون، مع بنية تحتية هائلة. يا سادة لو كنتم مكان الصهاينة فهل سترحلون من الضفة الغربية والمستوطنات ؟ _والتي هي مدن قائمة_ فقط ولمجرد إرضاء لسواد عيون العرب. ما هو المبرر لترككم الضفة الغربية حتى أمام الرأي العام الإسرائيلي؟
يا سادة لا تتقاتلوا على الصيد قبل صيده _ إن جاز التعبير_ وأفيقوا من أحلامكم، ولا تتنابزوا بالأقليمية والعنصرية؛ فكلكم في نظر الصهاينة أعداء؛ لأنكم عرب ومسلمون. ولن يعطونكم شيئاً ما لم يكن لديهم حل آخر. ولن يعطونكم شبراً من الأرض إن لم يكن هنالك قاهر لهم. يا سادة إن لم يكن هنالك هدير للدبابات، وأزيز للطائرات، وشراسة جنود؛ فلن تأخذوا شيئاً. أما الكلام والمبادرات فهي للهو والتسلية، وتضييع الوقت.
فقد كان من المفترض أن تقوم دولة فلسطين بعد خمس سنوات من أوسلوا، أي عام 1999م فأين هي؟ نحن اليوم أبعد عنها من أي وقت مضى. ولقد سئمنا المبادرات والكلام الفارغ الممجوج، وأحلام الطفولة والمراهقة، فالناس أوعى مما تتصورون. ولن يعود المسجد الأقصى وفلسطين، إلا كما عاد من قبل، بالفتح والتحرير ورايات المجاهدين، وتلك سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا. وأما أُبر التخدير فلم تعد تؤثر فينا، فقد أدمنا عليها لكثرتها. ولذا يا سادة أفيقوا من أحلامكم، قبل أن تضلوا وتُضلوا. ولا نزرع اليأس، ولكن نقول الحقيقة كما نراها .