محاضرة الدكتور حلوم في مؤسسة المتقاعدين العسكريين عن التوطين وفلسطينيي الاردن
المدينة نيوز - بعد ساعات فقط من توجيه شخصية أردنية عسكرية بارزة لنداء له يتضمن كشف الحقائق ، تحرك السفير الأردني السابق الدكتور ربحي حلوم وكشف النقاب عن المحضر الكامل لإجتماعه المثير جدا مع نخبة من رموز حركة ناشطة بإسم تيار المتقاعدين العسكريين في الأردن.
وكان الفريق المتقاعد موسى العدوان وهو من الشخصيات البارزة في حراك المتقاعدين قد نشر مقالا تعليقا على الضجيج الذي أثير حول نقاش حاد بين حلوم وتيار المتقاعدين طال أزمة الهويتين الأردنية والفلسطينية ووضع الضفة الغربية.
دعوة العدوان لم تمض عليها ساعات قبل ان ينتهي الأمر بتفجير حلوم لمفاجأة المحضر الذي تضمنت اجتهادات وآراء في غاية السخونة والحدة قيلت على هامش اللقاء بين الجانبين.
أمام نخبة من الإعلاميين الأردنيين وفي منزله بإحدى ضواحي العاصمة عمان عبر حلوم عن سخطه من مستوى النقاش الذي دار بعد تلك المحاضرة مؤكدا على كل كلمة سبق أن نشرتها القدس العربي على لسانه الأسبوع الماضي بالخصوص.
وثيقة حلوم التي تحسم الجدل حول ما دار في جلسة حوارية مفعمة بالسخونة الثلاثاء قبل الماضي تكشف عن مستويات في النقاش المعارض والآراء الجريئة للمتقاعدين العسكريين حصريا لم ترصد من قبل .
فيما يلي تنشر (القدس العربي) وثيقة المحضر المعدة بخط يد حلوم نفسه ودون تدخل :
الزمــان: يوم الثلاثاء 23تشرين الأول 2012م/ الساعة 18.30
المـــكان: مقر المتقاعدين العسكريين – الجبيهة /مقابل المؤسسة المدنية
.. بناءً على الدعــوة التي وجهها المتقاعـدون العســكريون للدكتــور ربحي حلــوم ، والتي نقلها له باسمهم اللـواء المتقاعد الدكتـور محمـد العتـوم متضمنـة دعوتـه لإلقـــاء محاضرة أمامهم حول “حـق العــودة ” ، في الزمان والمكان المذكورين أعــلاه، فقد تم تلبية الدعوة في موعدها، وفيما يلي محضـر لمجريات اللقــاء المذكور :
افتتـح اللقـاء بكلمة ترحيبية بالضيف قدمها اللواء الدكتـور محمد العتــوم الذي تولى إدارة الجلسـة بحضور قرابة سـتة عشر من الضباط المتقاعدين الذين تتراوح رتبهم بين لـواء وعميد وعقيد ، تضمنت تعريفاً بالحضــور وبالضيف ، إضافة إلى التأكيد على الاهتمام الذي يوليه هو وزملاؤه الأفاضل لموضوعي التأكيـد على الهوية الأردنيـة وعلى حــق العــودة للاجئـين الفلسطينيين إلى بلادهم وممتلكاتهم التي هُـجروا منها ورفض كل أشكال التآمر على هذا الحق وعلى رأسها التوطين ، منوها إلى وقوفهم بشدة وراء دعم وحماية هذا الحق المقدس خدمة ( للشعبين) الشقيقين ومصالحهما الوطنية.
كما أتى في كلمته على تصريح نشر مؤخرا للأمير حسـن تضمن التأكيد على أن ”الضفة الغربية المحتلة هي جزء لا يتجزأ مندولة ذات سيادة هي المملكة الأردنية الهاشمية” ، الأمر الذي اعتبرناه نحنالمتقاعدون العسـكريون يصب في خدمة الكيان الصهيوني ويدعـو للتوطين ، فأصدرنابياناً نفند فيه موقف الأمير حسن .
ثم استأذن اللواء العتوم من الضيف أن يستمع لإيجاز عن أهداف تيار المتقاعدين سيقدمه أمين سـر التيار اللـواء محمـد خريســـات الذي دعاه لأخــذ الكلمة.
اسـتهل اللواء خريســات حديثه بالتأكيد على دعم التيار لحـق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ولكن ليس على قاعدة منحهم حقـوق المواطنة المتسـاوية في الأردن لأن ذلك يخــدم الأهـداف الصهيونية ويصب في مخططات للتوطين ، والدعـوات المغلفة بمسمى الحقوق المنقوصة هي دعوات مشـبوهة ، لأن امتيازات المواطنة الكاملة هذه تشكل حائطاً بين حاملها وبين الواجب النضالي المناط به للعمل على تحــرير أرضه والعـودة إليها ، كما أن مثل هذه الامتيازات تعفي الفلسطيني من عبء التفكير في الوطن والأرض والممتلكات طالما أتيحت له بحبوحة العيش في وطن بديل وهو الأردن، وهذا يشكل واحداً من أهم الأخطار التي يتعرض لها حق العودة وتخدم المخططات الصهيونية والمؤامرات القائمة لطمس وإسقاط هذا الحق .
وأضاف اللــواء خريسـات في معرض شـرحه هذا يقـول: “ أيمكن لأي عاقل أن يصــدق بأن أصحاب القصـورالمنتشــرة في أحياء عمــان الغربيــة –وجلهم من الفلسطينيين- تحتل فلســطين مكانة في عقولهم بمثل ما تحتله مصالحهم وقصورهم وثرواتهم وامتيازاتهم التي أتاحت لهم تكديس الثروات وبناء القصور الفارهة ؟؟ وهل يعتقد مخلص لوطنه أن مثل هؤلاء تشكل فلسطين جزءا من اهتماماتهم ؟؟ وأضاف : إن مجرد سـحـب امتيازات المواطنة المتساوية التي يرتكزون عليها سيجعلهم ملزمين على التفكير بحق العــودة”.
وتابع يقـول: ” إن تحـرير فلسطين هو واجب يتحتم على كل فلسطيني أن يضعه نصب أعينه ، ونحن كضباط متقاعدون كنا وما زلنا وسنظل السند والظهير للتمسك بهذا الحق والدفاع عنه ودعم المناضلين من أجله، والتصدي لكل الدعوات المشبوهة التي تعزف على (مشروخة)الحقوق المنقوصة “.
وأضاف: "لقـد رفعنا أصواتنا مراراً وتكراراً وأصدرنا منـذ قرابة عـام بياننا الشــهير الذي وقـع عليــه ما يزيد على مائة وسـتين شـخصية من مختلف وجــوه وزعماء ورجالات الأردن مطالبة بقوننة ودسترة فك الارتباط ومحذرين من خطــورة إدارة الظهــر لهذا الشــأن الذي يهــدد استقرار البلد والذي يعزز مؤامرة التوطين ويتعارض مع واجب الحفاظ على الهوية الوطنية ، وقد مضى على نداءاتنا المتواصلة هـذه أكثر من عام ، دون أن تســتمع الدولة لصوتنا ولدعواتنا المتعاقبة للحفاظ على الهوية الوطنية كخطــوة تخدم حق العــودة وتُســرِّع في تحقيقهــا وتشكل أهم أولويات الإصلاح الحقيقي السـليم المنشود ، ولعلك تشاركنا الرأي في أن الفلسطيني الأمين لبلده هو الفلسطيني الذي يتمسك بهويته الوطنية ولا يرضى عنها بديلا، ولا تحرفه الامتيازات عن التمسك بحق العودة وتظل معاناة الاغتراب إذا ما عايشها تشــده إلى العودة إلى وطنه "
وتابع: ” إننا وقد استنفذنا وسائل التحذير من مغبة استمرار تجاهل هذا الأمر الخطير الذي يهدد الهوية الوطنيــة وحق العـودة على السـواء ، فلم يبق أمامنا ســوى أن نلجـأ إلى العمل بالطرق الأخرى لإحقاق مطالبنا كأردنيين مطالبين بحماية هويتهم الوطنية وحقوقهم بعد أن أدار الجميع لنا ظهره في هذا الشأن.” وانتهى إلى القــول:
“ نرجو من إخوتنا الفلسطينيين أن يعــوا خطـورة ذلك ويركزوا جهودهم نحو العمل في اتجاه تعزيز وحماية حق العودة ، وأن ينحصر جهدهم في هذا الاتجاه ، لا أن يتمترســوا حول (مشروخة) الحقـوق المنقوصة أو المواطنة المتساوية التي تتـردد صباح مســاء على ألسـنة الكثيرين ممن لا يعنيهم حق العــودة في شــيء بقـدر ما تعنيهم الرغبة في الحصول والتشبث بالمكتسبات الشـخصية وتكديس الثروات، ومن هنا فإن علينا العمل معاً باتجاه تحصين حق العودة والعمل بمقتضياته دون أن نلقي بالاً لمسميات البطاقة الصفراء أو الخضراء أو الحمراء أو الزرقاء ، فكلها لا تغير من حقيقة أن الفلسطيني هو فلسطيني ولا يجوز أن يكون أردنيا سـواء حمل بطاقة من هذا اللون أوذاك”.
وما أن فرغ اللواء خريسات من حديثه ، دعاني اللواء العتـوم لإلقــاء محاضرتي المقررة.
كنت خلال العرض سالف الذكر أصغي بعمق لكل ما قيل ،مشدوداً إلى حالة حادة من الأسى تتناوب مشاعري وتتصارع بعنف في داخلي وتحركني إلى أن أواجهما شكل صدمة لم أتوقعـها قبل مجيئي ولم أعتــد الدخول في مثل هذا النوع من الحوارات . وخلال إصغائي لما قيل نيابة عن جميـع مضيفيّ الذين يعتقدون بصوابية ما يدعون إليه، اتخذت بيني وبين نفسي قراراً بضرورة تغــيير مسار محاضرتي المقررة مسبقاً والتي أعددتها بعناية فائقة دأباً على عادتي في كل محاضراتي العلمية أو الأكاديمية أو السياسية ، وهــكذا كان.
بدأت حديثي بالشــكر على الدعــوة الكريمــة وقلت بلهجــة يغلب عليها التأثر الواضـح:
“ لقد عكفت خلال بضعة الأيام الماضية على إعـداد مضمون محاضرتي هـذه التي أمامي الآن ، والوثائق المتصلة بها ،لكنني على ضــوء ما سمعتــه الآن من عرض كريم أثار فيَّ شــؤوناً وشـجوناً عميقــة ونكأ في قلبي جراحاً نازفة ، فاسمحوا لي أن أطــوي محاضرتي وأغلق ملفي ، وأن أتحـدث معكم بصراحة ووضوح في ذات الإطار الذي تفضلتم بطرحه:
ارجو أولا – وأنا أجلس في حضرة إخـوة حملــوا الشـرف العسكري لآماد طويلة وبلغوا من المواقع ما يعبر عن ادائهم الرفيع لهذا الشرف وللمهام المنوطة بواجب الدفاع عن الوطن- أن أعيد إلى الذاكرة واجب الاعتزاز بشــعار مشـــرِّف كان يعلـــو جبين كل واحــد منكم لأكثر أوأقل من ثلاثة عقـود، لافتا ذاكرة الجميع إلى كلمتين عظيمتين تتصدران ذلك الشــعار وهمـا: "الجيـــش العــربي".
إن هذا الشعار النبيل المشرف لم يتقوقع في إطار جغرافي محدد ، ولم يكن ليعبر إلا عن رمزيـــة لها دلالاتها العسكرية المقدسة النبيلة التي تؤمن بالعروبة أولا كهوية جامعة لها علينا واجب الاعتزاز بها، وإلا لكان اكتفى بحصر واجب من تشرف بحمله على جبينه في إطار قطري أضيق.
واسمحوالي ثانياً ان أعَــرِّج على التضحيات المشرفة التي لا يجوز لأي مكابر أن يتنكر أو أن يديــر ظهره لها أو أن يتجاهلها – وهي تضحيات الرجال الأوفياء لعروبتهـم في هذاالبلــد العربي الشامخ من آبائكم وأجدادكم كما آباؤنا وأجدادنا -، وأن اسرد واقعة فريدة تحمل من المعاني والمضامين ما ينبغي أن يكون مثلاً ونبراساً لنــا ولكل أجيالنا القادمة، وهي واقعة تاريخية أمكنني الحصول عليها خلال إعدادي لبحث تاريخيأ عكف على وضعه لمؤتمر دولي: حيث وقعت في متناول يدي وثيقة عثمانية تتحـدث عن مضمون تقرير تضمنته سجلات الامبراطورية البريطانية التي أفرجت عنها الخارجية البريطانية بمناسبة مرور أكثر من مائة عام عليها، وورد فيها بالنص:
” إن رجالات العشــائر في شرقي الأردن من قبائل بني حسن والحويطات والحمايدة والتلول والعشائرالأخرى قد اجتمعـوا في مطلع تموز من عام 1976م في مضارب الشيخ مفلح العبيدات في بلدة ساكب”جرش” وتوجهوا حاملين أسلحتهم البدائية والعصي والشباري ، إلى الضفة الشمالية من نهـر الزرقاء بوادي جرش حيث أقيمت أول مستوطنتين لمهاجرين يهــود ،وقاموا بإحراق المستوطنتين ، وطرد اليهود الذين فر الناجون منهم باتجاه العارضة، ثم توجهوا بعدها إلى منطقة النبي هـود إلى الشمال الغربي من السلط وأحرقوا المستوطنة الثالثة التي أقيمت هناك ”كفار أهـود” وطردوا اليهود منها”. ويضيف التقرير:
.."وقد توجه رجالات العشائر هؤلاء بعدها إلى حاكمية البلقـــاء التابعة لولاية دمشق وقدمـوا للحاكمية عريضة موجهة للصدر العثماني الأعظم في الآستانة يحتجــون فيها على السماح بهجرة اليهود إلى أراضيهم وإلى الأراضي المحيطة في سناجق نابلس وعكا والقدس، وهددوا في عريضتهم بأنه إذا لم يتخـذ الباب العالي إجراء بنقل واليه في دمشق “جمال باشا” الذي يتواطأ في الاتجار ببيع الأراضي لليهود ويساعد في هجرتهم لفلسطين، فإنهم سيضطرون لإعلان العصيان والقتال حفاظاً على أراضيهم وبلادهم وعروبتهم ودينهم"..
وقد اضطر الباب العالي إلى تنحية جمال باشا وتعيين الصدر الأعظم مدحت باشا بديلا عنه، وإصدار مرسـوم يمنع الهجرة اليهودية إلى أراضي الولاية.
ألا يضعنا هـذا التاريخ المشرف لهؤلاء الأفـذاذ من آبائكم العظمـاء أمام مسؤوليات كبيرة تكون عـبرة لنا ومثــلا يقتدى به في الدفاع عن أوطاننا وعروبتنا.
وأرجو أن أعيـــد لذاكرة الجميـع، وكلكم يلم بتاريخ الآباء والأجداد اكثر مني، أن مناطق الشـــمالين الفلسطيني والشرق أردني بمكوناتهما البلقاء وعجلون وإربد وحـوران ونابلس وطبرية وصفــد والناصرة كانت تشكل وحدة جغرافيـة واحدة اسمها ســنجق نابلس، وأن الجنوبين الفلسطيني والشرق أردني بمكوناتهما مدن وبلدات الكرك ومعان والطفيلة ووادي موسى والخليل والقدس وأريحا وبيت لحم كانا يشكلان وحدة جغرافية واحدة اسمها سنجق القدس ، وكلا الســـنجقين كانا يشكلان القسم الجنوبي لولاية دمشــق خلال الحقبة العثمانية، التي امتدت على مدى أربعة قرون من الزمن.
ومن هنا تسـابق رجالات عشائر العبيدات والحويطات وكل العشائر والقبائل الأردنية آنذاك وبعدها وحتى اليوم للانخراط والاستشهاد على أرضـهم العربية الواحدة التي أفلح المستعمر للأسف الشديد في أن يقيم بينها حدودا تمزقها ،وهذه الحدود هي ليست من صنعكم أو صنعي أو صنع أي من آبائنا وأجدادنا، وأنا هنا لستفي معرض التذكير بسايكس بيكو فحسب ، بقدر ما أنا مُذكّـِر ولعل الذكرى تنفع المؤمنين ، بأننا شـعب واحد اختلطت أنسـابه وأنسـاله، وتمازج شـرقي النهر وغربيه ، وكلنا مطالبون بحماية الوطن الأردن كما الوطن فلسـطين كما غيرهما من أجزاء الوطن العربي الكبير، فلا أفـــرق بين القدس وعمان وصنعاء وبغــداد ودمشق وحلب وإربد ومعان وتونس وعكا والكرك وحيفا والناصرة والجليل والدار البيضــاء.
إنني لست في معرض التنظير، لكن هذا ما نشأت وتربيت عليه ولم أزل وسأظل .أما مقولة الشعبين فإنني أختلف كل الاختلاف مع دعاتها.
أما فيما يتعلق بالمواطنة ، فاسمحوا لي أن أوضح بأنني لست معنيا بالخلاف بينكم وبين الامـير حسن وبما صدر عنكم بشأنه بقدر ما أنا معني بما يجب أن يحكم اتجاه بوصلتنا أولا وقبل كل شـــيء وهو مقارعة عدونا المشترك جميعا وتحرير أرضنا المحتلة وصد الأطماع الصهيونية في بلادنا ، فهذا هـو ماتربيت ونشــأت عليه منذ أن تفتحت عيناي على دماء أبي والشهداء من أمتي الذين سقطوا دفاعا عن عروبتنا وكرامتنا جميعا، ففلسـطين هي لكم أنتم بقدر ما هي لي ، والأردن هي لي بقدر ما هي لكم ، كما مصر وسوريا والعراق ولبنان والمغرب والجزائر، وأي كلا مغــير هذا يشكل خيانة بحقنا جميعاً، ونحن وإياكم لدينا ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا،وحماية حق العودة ودحر الاحتلال هو واجبنا جميعاً ضمن هذا الإطار، وحينما استشهد كايد العبيدات في ســمخ الفلســطينية ، كان يعلم ويؤمن بأن ذلك واجب عليه إزاء عروبته وأهله وقومــه في الجوار ، وأن انتماءه لسـمخ لا يقل عن انتمائه لكفر ســوم أو أية بقعة عربية أخرى، ولم يذهب إليها طمعاً في مغنم أو مغرم، بل دفاعا عن وطن كبير يؤمن بانتمائه إليه.
وطالما نحن بصدد الحديث عن حق العــودة الذي يتمحـور حوله اهتمامنا واهتماكم المشكور، فأنتم جميعا تعلمون بأن هذا الحق يتعرض لمؤامرات دولية وعربية وفلسطينية مساندة للمخططات الصهيونية الهادفة لإســقاطه وإلغائه من ذاكرة الشعب،
أولم ينص اتفاق وادي عربة الذي أقره البرلمان الأردني على مرأى ومسمع منكم ومن الجميع دون أن يكلفوا أنفسهم مجرد قراءة نصوصه ليكتشـفوا أنه ينص صراحة في مادته الثانية على التوطين، فلم لم يحرك أحد سـاكنا فيوجه ذلك حتى اليوم ؟ وكلكم قرأ وسمع عن السياح (الإسرائيليين) المسلحين شمالي مدينة الســلط وفق ما نشرته صحف الأمس، أين نحن جميعا من هذه الاستباحة ؟
أولم يعلم الجميع أنه حتى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وصناع اتفاق جنيف المماثل وخارطة الطريق أول المتآمرين على حق العودة في اتفاقه المسمى اتفاق عباس-بيلين الشهير عام 1995م، يحمل جواز سفر اردني ورقما وطنيا ، لم يقل له أحـــد أين أنت من حق العودة، وما الذي يأتي بك إلى الأردن لمزيد من التآمر على شعبه؟ أمن المنطق في شيء أن ينظر بعين واحدة للإنسان المعذب في كوخه المهدم في البقعة أو الوحدات ونغلقالعين الأخرى عن المتآمر الحقيقي على حق العودة؟
ألا يحمل محمد دحلان وأحمد قريع وصائب عريقات وعزام الأحمد وبقية المتآمرين على حق العودة جوازات أردنية وأرقاما وطنية ؟ فأين هي همم الحريصين على حماية حق العــودة من تآمر هؤلاء في اتفاقيات أوسلو ووادي عربة وكامب ديفيد وجنيف والمصرحين بذلك علنا على مسمع الجميع؟
أيهما الأكثر خطرا على حق العودة : هؤلاء المتواطئون لإسقاطه، أما المسحوقون في مخيماتهم ينامون ويصحون على حلم حق العــودة وتحقيقه؟
وهنا دعوني أشــير إلى ما سـمعته للتو من ملاحظة تتحدث عن القصور المنتشرة في أحياء عمان الغربية والتي يملكها فلسطينيون، والتساؤل الذي أثير حول ما إذا كان هؤلاء يفكرون أو يعيرون اهتماما لحق العــودة ، والتعرض الذي أثاره المتحدث الكريم قبل لحظات متضمنا مســاســاً بحق السيد طاهر المصري وآخرين وردت أسـماؤهم، والاعتراض على ذلكمن قبل أخ آخر دافع عن نزاهة ونظافة يد الرجل وسُــمعته، فإنني أرجو التنــويه إلى الدور التاريخي المشرف الذي لعبه الرجل ومثله السيد عدنان أبو عــودة والآخرون ،فالدفاع عن هذا البلد والإســهام في بنائه وترسيخ نظامه وفي خدمة الدولة الأردنية وكانا من أعمدتها الرئيســية، ولم يدر في خلـد أحد منهم أن يبحث عن ثــروة أو عنبناء قصــور، بقدر حرصه على بناء الدولة وترسيخ النظام فيه وتعزيز استقلاله ونمـوهومنعتــه ورفعته وعدم إقصاء أو تهميش أي من أطيافه ومكوناته الاجتماعية، والدفاععنه أكثر من أي شخص آخر.
واسمحوا لي هنا الفت الانتباه إلى أن الســؤال الذي ينبغي طرحه ، هو ما إذا كان أحــد أصحــاب هذه القصـور المنتشرة في عمان الغربية قد بنى قصره نهباً من أموال الدولة أو الخزينة الأردنية أو اسـتـيلاءً من أملاكها ،وسـاعتئذٍ سـأشـارككم جميعا في الدوس عليــه ومســاءلته وطرده إلى خارج البلد وحرمانه من أية حقوق لمواطنة متساوية أو غير متساوية، ولا أظن أن الكثيرين من هؤلاء يعيبهم ما يملكون من قصور أو فلل أو ثروات جمعوها بعرقهم وكدهم في الخليج أو في غيره واستقروا في هذا البلد الذي يملكون هويته ويحترمونها، ولا أشارك أحداً الرأي في أن الفلسطيني يجب أن يكون متسولاً على الأرصفة أو مرتدياً بنطالاً (مرقّعــاً) أو قميصاً ممزقاً حتى يثبــت التصاقه بحق عودته إلى وطنه أو صدق انتمائه لفلسطين،
وبنفس القدر، فإني أعتقـد أن شـجرة لوز في فلسطين أو شجرة رمان في عجلون هي أغلى وأحب إلي وإليكم ولكل الآخرين مثلي ومثلكم ومثل حتى أصحاب القصور التي تتحدثون عنها أو الأكواخ المتهاوية، من كل قصور الدنيا وثرواتها، فلا القصور تلهينا عن تراب الأرض التي أرضعتنا ، ولا عروبتنا تحتمل التنكر لأواصرنا ولإرث آبائنا وأجدادنا.
ثمة ملاحظة هامة لا بد من التنويه إليهــا وهي: إنني أرجوأن أعيد إلى ذاكرة الإخوة جميعا، بأنه حينما أعلنت وحـدة الضفتـــين في أعقاب مؤتمــر أريحـــا الذي اقتصــر حضــوره على بعض وجهاء العائلات الفلسطينيية الموالين، ولم يتم بشأنها استفتاء رأي الشعب هنا أو هناك، وأنا هنا لســت بصــدد التنكر للوحدة أو التشكيك بسـلامتها أو قانونيتها من عدمه، بل لأؤكــد بأن كلانا على ضفتي النهـــر دعاة وحدة وطــلاب وحدة، وها نحن قد اختلطت دماء كلينا وتمازج مجتمعانا، وعشنا معا نتقاسم الســراء والضراء على امتداد ستة عقـــود ونيف ولله الحمــد، وأصبحنا أســرة واحدة متلاحمة متداخلة الأنســاب والأنســال.
ولكنني أرجو أن أعيد إلى ذاكرتكم أن عملية الوحــدة قد تمثلت في ضم الضفــة الغربيــة إلى الضفة الشــرقية أرضـــاً وشـــعباً أي جغرافيا وديمغرافياً ، ولا أعتقـــد أنه من المصلحة الوطنية ولا من الإنصاف أن يقال لابن المخيــم المســحوق الذي امتلك حق المواطنة الأردنية طبقاً للوحدة المتحققة وضُمّـــت أرضه لجغرافية المملكة الأردنية الهاشمية ، وضاعت بعدها أرضه أو ضُيِّعت وهي في عهدة المملكة ، وبقي هو يعاني في كوخه أو قصــره-ســيان-: لا حق لك الآن في مواطنة متسـاوية في المملكة او في البقاء على أرضها كمواطن لها.
ماذا أيها الإخــوة عن ارضه التي ضمّــت قبله إلى المملكة وليس له أدنى دور في ضياعها أوتسهيل احتلالها أو في التقصــير في الدفاع عنها أو في مقاومةاحتلالها…؟؟؟
أمن المنطق في شيء أن يقال له بعــد أن ضُــم للمملكة هووأرضــــه معــاً: إذهب إلى حيـــث لا أرض لك؟؟؟ أليس من الأحق أن يجاب على ذلك ب:
أعيــدوا للفلسطيني أرضه التي تعهدتم مسؤوليتها ثم اطردوه من الأردن هو وأرضه معـاً إلى حيـــــث شــئتم…؟؟؟
واسمحوا لي أن أضرب مثلا بنفسي في هذاالشأن , فقد كنت أقبع هنا في السجون الأردنيـة عنـــــد وقوع احتلال الضفة الغربية عام 1967 , وقد استحال عليَّ الرجوع الى بيتي في الضفة الغربية بعـــد احتلالها عندما أُفرج عني بعد سنوات ولا يزل الأمر كذلك حتى اليوم ويتعذر عليَّ حقُّ زيارة قبر أبــي في مسقط رأسي كنت في بيتي يوم اعتقلت في بلدي الأردن , وحين أُفرج عني وجدتني فاقدا لأرضــــي وبيتي ووطني الذي لم يكن لي شأن في ضيــــاعه.
وقد انطبقت على الفلسطينيين من أبناء بلدي ظروف مماثلة أو مغايرة فكل له ظرفه الخارج عن إرادته وطاقته ورغبته, فاسمحوا لي أن أكرر ما قلته: أعيدوا لهذا المواطن أرضه التي كانت في عهدتكم واطردوه إليها.
أيها الإخوة: لقد ذقنا وإياكم أيام العثمانيين شظف العيش ولم نكن ننعم أو نسعى لقصور في مدننا وقرانا وبلداتنا.., شجرة لــوز في بلدتي أو شــجرة رمــان في بلدة أي منكم أحن علينا من كل قصور الدنيا وثرواتها,هكذا كنا وهكذا يجب أن نكون ونبقى, فلا القصور تلهينا عن تراب الأرض التي أرضعتنا ولا عروبتنا تحتمل التنكر لأواصــرنا وإرث أجدادنــا وآبائنــا.
ودعوني أكرر القول: بأنني سيان عندي القدس أو بغداد أو عمان أوالقاهرة أو صنعاء . إن أبي وجـدي، و أب أو جد أي منكم نال شرف الشهادة في باب الــواد أو اللطرون أو القدس لم يستشهد هناك سعيا وراء قصر له فيها أو مغنــم يسعى لأجله.
وفي معرض حديثي، رويت للحضور تفاصيل حوار أعقب محاضرة لي ألقيتها في جامعة تالاهاســي بولاية فلـــوريدا الأمريكية توليت فيه المواجهة بوجه الهجمة الشرسة التي شنها بروفيسور صهيوني ضد الأنظمة العربية ورؤسائها على غير قناعة مني بالدفاع عن فساد هؤلاء ولكن إيمانا مني بالمثل القائل “أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على عدونا الغريب عنا ” وصولا إلى رمزية ما دعوت إليه بشأن ضرورة تلاحمنا ضد عدونا الرئيس المشترك.
وخلصت الى القول: إنني أشعر بالارتياح الشديد وتحركني مشاعر الاحترام لإخوة أتحدث إليهم ممن حملوا شرف الدفاع عن حياض هذا الوطن ومازالوا, وكلي أمل أن يتمحـور ما يختمر في نفوسهم حول الرغبة الصادقـــة في الدفاع ليس فقط عن حق العــــودة في إطاره الضيق. ( القدس العربي )