يتساءل كثيرون كيف بالإمكان تقليص الجفاء بين المعارضة الباقية في الشارع وبين الدولة التي حسمت أمرها بخصوص مسيرة الإصلاح، وأغلقت الباب في وجه كل تطلعات المعارضة.

تتسرب مخاوف حيال مسار الأمور في المرحلة المقبلة، خشية تصاعد التوتر بين الطرفين؛ إذ يسود شعور بالقلق من مآلات ذلك، ومدى انعكاسه على تطبيق مسيرة الإصلاح التي حددتها المؤسسات الرسمية.
سياسي مخضرم يقف على الضفة الأخرى من مسيرة الإصلاح الرسمية، يرى أن العلاقة بين الأضداد ستبقى تدور في الفلك ذاته؛ أي مد وجزر بدون حدوث مواجهة أو دخول البلد حالة من الفوضى، نتيجة حالة التنافر السياسي بين الدولة والمعارضة.
الورقة الرابحة في يد المعارضة اليوم هي توجه الحكومة إلى إلغاء الدعم عن المشتقات النفطية كخطوة أولى، والتي يبدو أن قرارها بات وشيكا، وبعد ذلك التركيز على تقليل فاتورة الكهرباء على الحكومة، والتي باتت تكلفتها على الخزينة نحو 1.75 مليار دينار.
اتخاذ قرار برفع الأسعار ليس بالمسألة السهلة للحكومة، التي تدرك أن زيادة الأسعار في هذه المرحلة ستضر بالعملية الانتخابية، لناحية مدى إقبال المسجلين على المشاركة في هذه العملية. كما أن الإقدام على هذه الخطوة يعتبر فتيلا لتجديد تعبئة الشارع بمزاج مناوئ للخطط الرسمية بشأن الإصلاح، وتجاه الانتخابات.
في الأثناء، لا يبدو وضع الأردن إقليميا على ما يرام. ورغم الانطباع الذي تعطيه الحركة الدبلوماسية النشطة في العاصمة عمان خلال هذه الفترة، إلا أن ذلك لا يعكس حقيقة الوضع الصعب الذي تعيشه السياسة الخارجية التي فقدت كل تحالفاتها، فيما عود المعارضة يقوى بحلفائها في الدول الأخرى.
وسط هذه المعطيات، يتطلب الأمر عقلا حكيما يخطط لعبور المرحلة المقبلة المليئة بالألغام، محليا وإقليميا. واللغم المجهز للانفجار يتمثل في قرار رفع الأسعار، تليه إعادة بناء التحالفات الإقليمية، وحسم الموقف من قضايا مختلفة في المنطقة، على رأسها الموقف من الوضع في سورية.
ومن دواعي التوتر والقلق مرحلة ما بعد الانتخابات وتركيبة مجلس النواب المقبل، والذي صار التكهن بماهية تشكيلته أمرا هينا في ظل عزوف كبار اللاعبين السياسيين عن المشاركة.
الفرس وليس مربطه، يتمثل في محاولة جديدة لإدماج الجميع في العملية السياسية.
قد يبدو هذا الخيار صعبا بعد الإصرار على إقرار قانون الانتخاب بصوت واحد وقائمة وطنية مغلقة، كون الأخيرة ساهمت في الإجهاز على فرص تحسين مكونات مجلس النواب، وأقصت المعارضة عن العملية السياسية. إذن، ما الحل؟
لربما يبدو المقترح ثقيلا وغير مقبول من المعارضة بالتحديد، لكنه ضرورة لخلق الحد الأدنى من التوافق الوطني الداخلي، وتقوية الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وذلك بإعادة فتح قنوات الحوار مع المعارضة بشقيها التقليدية والجديدة، بهدف تقريب وجهات النظر معها.
البدء بحوار جديد مسألة مقبولة من الإسلاميين والحراك على حد سواء، والحد الأدنى من التوافق إن توفر كفيل بترطيب جزء من الأجواء الضبابية، بما يجعل التفكير قابلا للانفتاح على كل الاحتمالات حيال السيناريوهات المستقبلية المحلية.
خطوة البدء بالحوار مجددا حاجة. وإذا كانت فرص نجاحه محدودة، إلا أنه يبقي الباب مواربا بين الأطياف السياسية المختلفة، وربما يعيد البلد إلى مربع الأمل بإمكانية التوصل إلى اتفاق يفضي إلى إشراك المعارضة في الحكومة المقبلة مثلا، ومنحها مقاعد في مجلس الأعيان، وتعديل قانون الانتخاب نحو صيغة ترضي الجميع في مرحلة ما بعد الانتخابات.
قد لا يغري العرض الإسلاميين لخشيتهم من قواعدهم الشعبية، لكنه بالضرورة قادر على إعادة البلد إلى مربع الأمل بدلا من فقدانه.