انتقام أوباما (؟!)

يحذرون في إسرائيل من انتقام أوباما...فالرجل واجه في حملته الانتخابية الثانية والأخيرة، تدخلاً سافراً من قبل نتنياهو وفريقه، هدف إلى تعبيد الطرق أمام المرشح الجمهوري (المورموني) للحلول محل أول رئيس أسود (من أصول مسلمة) للولايات المتحدة...ومن حقه – أوباما – أن يرد التحية بمثلها، ونتنياهو يواجه انتخابات (حاسمة أيضاً) في يناير القادم، وأن يلقي بكل ثقله في الانتخابات الإسرائيلية، للإطاحة برئيس الوزراء الإسرائيلي.
الفارق بين التدخلين، تدخل نتنياهو السافر، وتدخل أوباما المُحتمل، بيّن وجوهري...في حالة الانتخابات الأمريكية، جرى السباق للبيت الأبيض “كتفاً إلى كتف”، أوباما فاز بفارق ضئيل من الأصوات على رومني، بالكاد زاد قليلاً عن النصف مليون صوت...أما في الحالة الإسرائيلية، فلا “معادل” ولا “نظير” لتكتل اليمين واليمين المتطرف، كل ما يمكن لتدخلات أوباما أن تفعله، هي بعث شحنة أمل وشجاعة في أوساط العمل وكاديما، زيادة بضعة أصوات، أو نقص بضعة أصوات في الكنيست المقبلة، لا أكثر ولا أقل.
ليس بخافٍ على أحد، أن “لا كيمياء” بين الرجلين، أوباما تنتابه مشاعر الاشمئزاز حين يؤتى على ذكر نتنياهو على مسامعه...لقد رفض لقاءه وهو في أمس الحاجة إليه وإلى أصوات الداعمين له من “اللوبي اليهودي/الصهيوني” في ذروة الحملة الانتخابية، مقامراً بذلك بفرار كتلة تصويتية مهمه عنه، وموفراً لحملة رومني المزيد من الذخائر الحيّة والمطاطية، ومع ذلك قاوم المرشح الديمقراطي ابتزاز زعيم الليكود، وأصر على تحاشي الالتقاء به.
كل هذا وأزيد منه، بات معروفاً، ومن حقائق العلاقات الشخصية ليس بين نتنياهو وأوباما، بل وبين الأول ومعظم زعماء أوروبا والعالم...حتى الرئيس الفرنسي هولاند، حمل على سوء تصرف نتنياهو في زيارته الأخيرة لفرنسا، عندما أحال زيارته لمقابر يهود، إلى مناسبة انتخابية، مثيرة للكراهية والاشمئزاز، خصوصاً حين دعا يهود فرنسا لترك بلادهم والهجرة إلى “وطنهم الأول”: إسرائيل، في صورة تعيد للأذهان ما كانت تفعله الوكالة اليهودية بيهود العراق والعالم العربي.
على أية حال، لم يحل هذا التردي في علاقات الرجلين، دون أن تشهد العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية تطوراً نوعياً في السنوات الثلاث الأخيرة...حصلت إسرائيل خلالها على “كل ما تقدمت بطلبه من الولايات المتحدة” على حد تعبير واعتراف شمعون بيريز رئيس الدولة...وشهدت علاقات التعاون العسكري والأمني بين البلدين، تطوراً نوعياً، وأجرى الجيشان أضخم مناورات وتمرينات في تاريخها.
وليس ثمة ما سيمنع البلدين من الارتقاء بعلاقاتهما خطوة نوعية إضافية على “السلم الإستراتيجي” الذي بدأت بارتقائه منذ أزيد من نصف قرن...والأرجح أن العلاقات الشخصية في الحالة الأمريكية – الإسرائيلية، سوف يتم تقليص أثرها إلى حدودٍ لا تذكر، لتبقى الكلمة الأخيرة فيها للمصالح والحسابات السياسية والإستراتيجية...الأرجح أن هذه العلاقات ستتخطى فجوة التباعد الشخصي بين الرجلين في يناير القادم، عندما ستنتهي الانتخابات الإسرائيلية بعودة نتنياهو على رأس ائتلاف من اليمين القومي والديني ولوبي الاستيطان، وعندما يبدأ أوباما رسمياً، ولايته الثانية.
وسوف يصاب “الفرحين” بغياب الكيمياء بين الرجلين، بخيبة أمل كبرى، حين تشرع الإدارة الأمريكية في التعامل مع “الملفات” ذات الاهتمام المشترك، سيما الملفين الإيراني والفلسطيني...ونستطيع من الآن التنبؤ، بأن أوباما سيدير الملف الإيراني المتشعب، وفقاً للحسابات الإستراتيجية – الكونية للولايات المتحدة، وسيرفض الابتزاز الأمريكي وهو متحرر من كل ضغوط الولاية الأولى، تماماً مثلما رفض الخضوع لهذا الابتزاز وهو في خضم الحملة وذروة الحاجة لدعم إسرائيل ويهود أمريكا.
أما في الملف الفلسطيني، فإن من المتوقع أن يضبط إوباما خطواته على إيقاع المصالح وحسابات نظرية الأمن الإسرائيلية، وليس مستبعداً أبداً أن نشهد قريباً أولى اختبارات هذه السياسة، إذا ما أقدمت واشنطن على ممارسة ضغوط على الرئيس الفلسطيني لثنيه عن طلب التصويت على فلسطين “دولة غير عضو في الأمم المتحدة” في الاجتماع الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
في كل ما يتصل بملف إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، لن يكون هناك “مطرح” للعلاقات الشخصية بين قادة “الحليفين الاستراتيجيين”، طيبةً كانت أم متردية...الكلمة العليا ستكون لإسرائيل، وستمررها عبر “المؤسسة” في واشنطن، وليس عبر “شخص” الرئيس، أياً كانت هوية هذا الرئيس أو “رقم” ولايته، أولى أم ثانية وأخيرة.