لحظة الامتحانات الكبرى

من المبكر الجزم بالوجهة التي ستتخذها المواجهة الفلسطينية- الإسرائيلية في قطاع غزة، هل ستكتفي حكومة نتنياهو بما أعلنت عن تحقيقه من “مكاسب”: اغتيال نائب القائد العسكري لكتائب القسام الشهيد أحمد الجعبري، وضرب ما قالت أنه 20 مستودع صواريخ بعيدة المدى، أم أنها ستذهب إلى حرب واسعة النطاق، تشتمل على اجتياحات برية وقصف جوي وبحري موصولين؟... هل ستستهدف قيادات حماس السياسية بعد أن طالت أحد أبرز قادة ذراعها العسكرية لـ”إزالة تهديد حماس”، أم أنها ستتوقف عند هذا الحد، بعد أن يكون “عامود السحاب” قد أنجز أهدافه الانتخابية الرخيصة؟ أسئلة وتساؤلات، وكثيرٌ غيرها، لا يمكن المجازفة بتقديم إجابات قاطعة حولها، لا سيما أن الحرب على غزة، ككل الحروب، يمكن أن يبدأها أي طرف، لكن من الصعب التكهن بقدرته على إنهائها أو التحكم بمجرياتها وخواتيمها، فالمسألة هنا رهن أيضاً بمستوى وسوية ردة فعل الطرف الآخر.
رسائل إسرائيل إلى حماس، وصلت مضرجة بدماء الجعبري وكوكبة من الشهداء الأبرار... حماس هي العنوان “الرسمي” في غزة، وهي المسؤولة عن كل ما يدخل القطاع ويخرج منها، فوق الأرض وعبر الأنفاق، أو على جبهات الاشتباك الحدودية والصواريخ العابرة للحدود... وإذا كان من معنى لقول الإسرائيليين بالحاجة لـ”تجديد قوة الردع الإسرائيلية”، فإنه يتلخص في “إفهام” حماس، بأنها مكشوفة في غزة، وأن يد الاغتيال قادرة على الوصول إلى شخص ومكان، بدلالة العملية القاسية التي استهدفت أحد أبرز قادة الحركة على المستويين العسكري والسياسي سواء بسواء.
لكن السؤال الأهم، هل وصلت رسائل إسرائيل الدامية إلى الرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في مصر؟... وكيف ستستقبل “القاهرة الجديدة” هذه الرسائل، والأهم، كيف سترد عليها؟.. فالحرب الدائرة على “حكم الإخوان” في غزة، هي في الجانب الآخر والأهم منها، “اختبار بالدم والنار” لـ”حكم الإخوان” في مصر، فكيف جاءت ردة فعل مصر على العدوان، وكيف يمكن أن تتطور؟.
يتعين الإقرار بادئ ذي بدء، بأنه من الإجحاف المقارنة بين ردة فعل “مصر/ مرسي” على “عامود السحاب” وردة فعل “مصر/ مبارك” على “الرصاص المصبوب” على غزة، قبل أربع سنوات... إذ في الوقت الذي بدا فيه مبارك “شريكاً متواطئاً” في العدوان على غزة، من تحت الطاولة ومن فوقها، جاء رد فعل مصر سريعاً، بل ومُشجعاً: تدخل لوقف العدوان فوراً، سحب السفير المصري واستدعاء السفير الإسرائيلي للاحتجاج، اجتماعات طارئة لمجلس الجامعة ومجلس الأمن، اللجوء إلى الشارع المصري للتعبير عن الغضب، إلى غير ما هنالك من خطوات دبلوماسية معلنة ومضمرة.
لكن الأمور تقاس بخواتيمها، فإذا كان صحيحاً أنه ليس المطلوب من مصر أن تلقي بكل أوراقها، أو أن تفصح عن كل ما في جعبتها، في اليوم الأول أو الثاني للعدوان، إلا أن الصحيح كذلك، أن هذه الخطوات والإجراءات، يجب أن تتصاعد بتصاعد العدوان وتصعيد عملياته، وصولاً إلى “اعادة تموضع” مصر في مكانها التاريخي الصحيح، كقيادة للعالم العربي في لدرء ما يعترضها من تهديدات، يقف التهديد الإسرائيلي في صدارتها، بامتياز، ومن دون منازع.
لم يعد مقبولاً، ولا بأي حال من الأحوال، أن تنتهي هذه الجولة من أعمال القتل والتدمير الإسرائيلية، إلى “مجرد وقف آخر لإطلاق النار”... مثل هذه “النهايات” هي ما اشتهرت بالعمل عليها، الدبلوماسية المصرية في عهد الرئيس المخلوع... وأحسب أنه يتعين على الدبلوماسية المصرية، أن تضع أهدافاً أخرى لتحركها ونشاطها، لتليق بثورة مصر وتواكبها، ولترقى إلى روح “الربيع العربي” ومعاييره.. وثمة مروحة واسعة من الخطوات والإجراءات يمكن اقتراحها من نوع: إلزام إسرائيل بعدم تكرار فعلتها الإجرامية، تحت طائلة قطع العلاقات وإغلاق السفارات والمعاهدات.. قرار مصري واضح، برفع الحصار كلياً عن قطاع غزة، وعدم انتظار أخذ “الأذونات” الإسرائيلية لكل خطوة أو مبادرة في اتجاه القطاع... والمطلوب الآن، وأكثر من أي وقت مضى، أن تتصرف “مصر الجديدة” كدولة كبيرة في أمتها، لا كحزب أو جماعة، وأن تشرع في تسريع وتيرة العمل لاستعادة المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينيتين، دون انحياز لفريق على حساب فريق آخر، فقد عانت القضية الفلسطينية من انحياز نظام مبارك لفتح، ولا نريد لمعاناتها أن تستمر بانحياز نظام الإخوان لحماس.
سقف التوقعات الفلسطينية، بما فيها الحمساوية، مرتفع جداً، وما يشهده قطاع غزة، هو امتحان عسير وغير مسبوق، لا لحماس وحدها، بل وللنظام الجديد في مصر.. وهو من دون شك امتحان أول للعلاقة بين حماس ومصر في عهدها الإخواني، و”عند الامتحان، يُكرم المرء أو يُهان”... جعل الله “المهانة” من نصيب إسرائيل وحدها. ( الدستور )