مبادرة كفيلة بدفع الناس لرّد التحية بأحسن منها

تم نشره السبت 17 تشرين الثّاني / نوفمبر 2012 01:36 صباحاً
مبادرة كفيلة بدفع الناس لرّد التحية بأحسن منها
حسين الرواشدة

أسهل ما يمكن ان نفعله هو أن نتوجه الى هؤلاء المحتجين الغاضبين ونناشدهم التزام الهدوء العقلانية، أو ان نطالب الاخوان المسلمين وغيرهم من القوى السياسية بـ”تهدئة” الشارع وعدم استثماره سياسياً، هذا - بالطبع - ممكن وهو ما فعلته الحكومة في مقارباتها السياسية (دعك من الأمنية) حتى الآن، لكن هل تكفي “المناشدات” لحل هذه الازمة الصعبة أم اننا بحاجة لمبادرات ومقررات.. واجراءات ايضاً؟

ما حدث لم يكن مفاجئاً الا لمن اخطأ بقراءة المشهد السياسي الذي تداخلت فيه الأزمات والصراعات منذ عامين على الأقل، كان يمكن - بالطبع - ان يكون تقديرنا “للموقف” أكثر دقة واستبصاراً، وان ننحاز لمنطق “العقل” في التعامل مع مثل هذه “التحولات” التاريخية التي عصفت بعالمنا العربي كله، لكن ثمة من اعتقد أن بلدنا سيكون “استثناء” وان “وصفة” اصبحت “مقيدة” ستسد أبواب الشرّ التي داهمت رياحها غيرنا، وحين توهم هؤلاء ان الناس يمكن ان يبتلعوا “المقررات” السياسية وان ينخرط بعضهم في استحقاقاتها، قرروا ان يزيدوا “الجرعة” على أمل ان يبتلعها الناس فجاءت قرارات “رفع الدعم” في توقيت سيء واخراج غير موفق وخطاب لم يقدر ذكاء الاردنيين.. وكانت ردود أفعال الشارع - كما رأيناها -، وهي - للأسف - في كثير من تفاصيلها تعكس اسوأ ما في “الأردنيين” تماماً كما تعكس تفاصيل المقررات والوصفات السياسية والاقتصادية اسوأ ما في “مطابخ القرار” من رؤى وحلول ومعالجات.

تبدو هذه المعادلة مفهومة، فبينما استطاعت الحراكات الشعبية على مدى عامين ان تقدم لنا “صورة” تليق بالإنسان الأردني بالتوازي مع الصورة التي قدمتها الدولة في التعامل - نسبياً - مع هذه الحراكات بحكمة وهدوء كانت الصورة التي جاءتنا من خارج هذه الحراكات وبفعل الصدمة والاحساس بالظلم والجوع واهتزاز الكرامة متناسبة تماماً مع الاجراء الحكومي الذي لم يأخذ في اعتباره الا حسابات الأرقام بعيداً عن حسابات الحقل الاجتماعي والسياسي، وحسابات الدولة التي هي الأهم والأخطر الآن، جاءتنا فرصة جديدة - رغم قسوتها وآلامها - لنعيد تقدير موقفنا تجاه “الدولة”، لا اتجاه مشروع الاصلاح فقط، فقد شعرنا في لحظة أننا “مهددون” فعلاً وان صور العبث التي شاهدنا بعضاً منها لدى “الجوار” يمكن ان تنتقل الينا بسهولة، لا يهم هنا كيف؟ بمؤامرة خارجية او بتواطئ من البعض أو بفعل داخلي محض، المهم اننا لسنا “استثناء” وما لم نعتمد على انفسنا في التعامل مع الاحداث والتكيف مع استحقاقاتها فإن غيرنا لن يتطوع بإنقاذنا أو مساعدتنا.

اذا اعتمدنا هذا التصور بعيداً عن دعوات “المكاسرة” وتسجيل “الانتصارات” المغشوشة واذا ما غادرنا منطق “الانكار” والاستقواء ومقولات “دعونا ننتظر” أو “بيطمعوا فينا” أو حلول “الأمن” وفرض هيبة الدولة...الخ، فإن الباب أمامنا سيكون مفتوحاً لإطلاق مبادرات معتبرة تبدأ بمصارحات ومكاشفات ثم اعتذارات متبادلة عن الاخطاء وصولاً الى مصالحات وطنية تجمع “الكل” على طاولة حوار لإدارة مرحلة “انتقالية” تنقلنا من “لجة” الصراع الى “دفة” التوافق والتفاهم وبناء الدولة الديمقراطية.. الدولة التي تستطيع ان تصحح مساراتها وتتعلم من اخطائها وتتجاوز أزماتها السياسية والاقتصادية بالاعتماد على “ثقة” الناس وقوة ارادتهم وانحيازهم لها مهما كانت الأخطار.

يخطىء من يتصور ان اعادة الناس من الشارع الى بيوتتهم “بالأمن” أو بغيره من الوسائط الاجتماعية والاعلامية سيحل الازمة من جذورها، ويخطئ من يتصور ان تمرير القرارات الاقتصادية الاخيرة رغم احتجاجات الناس سيسجل كانتصار “للدولة”، هذا منطق يقوم على دفن الأزمة وهي حيّة، أو تأجيلها، فيما الحقيقة ان حل الازمة يحتاج الى “مقررات” شجاعة فعلاً، تطمئن الناس على حياتهم وكرامتهم وارادتهم، وتقنعهم بأن الدولة “فهمتهم” وانحازت لهم.. وعندها سيردون التحية بأحسن منها. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات