لا تثقوا بالأمريكان

في بداية الشهر المقبل سوف يأتي فريق من صندوق النقد والبنك الدوليين إلى عمّان لفحص مدى التزام الحكومة الأردنية بتطبيق الاشتراطات التي وضعها الصندوق والبنك لقرض الملياري دولار، الذي تم منحه للأردن.
وحدهم الأمريكان يعرفون ماذا يفعلون ويخططون أبعد من اليوم التالي، حتى لو اضطروا إلى أن يغيروا موقفهم خلال أربع وعشرين ساعة، بزاوية 180 درجة، فهم يرسمون سياسة، ويخططون لسنوات مقبلة.
في أزمة الأسعار والاحتجاجات، برز للأمريكان أكثر من موقف لافت للنظر، ومُرسَل إلى أكثر من طرف.
في اليوم الثاني لرفع الأسعار حذرت السفارة الأمريكية في عمّان مواطنيها من الوجود في أماكن التظاهرات وقالت: إنها "تراقب بحذر الوضع الأمني في عمّان وباقي مناطق المملكة".
يوم الجمعة خرجت الخارجية الأمريكية في بيان يمكن قراءته باكثر من منحى، واعتبرت أن التظاهرات التي يشهدها الأردن احتجاجا على رفع أسعار المحروقات وتخللتها أعمال عنف ، تعبر عن "التعطش للتغيير" على غرار ما شهدته دول عربية أخرى خلال الربيع العربي. لكن البيان في فقرته الأخيرة قال إن خارطة الطريق التي قدمها الملك عبد الله الثاني للاصلاحات تستجيب لذلك.
أمس، أكدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فكتوريا نولاند أن زيادة أسعار الوقود في الأردن ضرورية لمواجهة تحديات الميزانية في المملكة والالتزام ببنود اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، مشيرة إلى أن أمام الأردن تحديات اقتصادية كبيرة وأن الإصلاح الاقتصادي ضروري، وأن هذا النوع من الإجراءات مؤلم دائما لكنه شر لا بد منه.
الموقف الأول دغدغ الاحتجاجات والمشاركين في الحراك، والموقف الثاني انحاز إلى سياسات الحكومة الاقتصادية، وبيْن الموقفين تجرع المواطن مرارة قرار رفع الأسعار.
في كل احتجاجات الربيع العربي، لم يغادر طرف من المثقفين العرب فكرة أن ما يحدث هو من صنع الأمريكان، أو على الأقل بمعرفتهم، والتنسيق معهم، وعلى هذه القاعدة رُسمت الخارطة الجديدة من العلاقة بين الامريكان والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ومباركة الأمريكان لسيطرة الإخوان على مقاليد الحكم في تونس ومصر وليبيا، ودعم إخوان سورية.
في الأردن يبدو أن العلاقة بين الإخوان والأمريكان لم تصل إلى التفاهم على وصولهم إلى الحكم، لهذا ارتبكت الجماعة عندما طرح أمامهم شعار "إسقاط النظام"، لكنهم لم يمنعوا شبابهم من ترديد هذا الشعار في اعتصام المسجد الحسيني، وعليهم أن يصدروا موقفا واضحا لا لبس فيه حول موقفهم من طرح هذا الشعار، وموافقتهم على طرحه بوجودهم في الاحتجاجات عامة.
لا أحد يضع بيضاته كاملة في سلة الأمريكان، فهم يعملون وفق مصالحهم، ولا يعيرون أي اهتمام للتاريخ المشترك مع أي كان.
رئيس الوزراء يحاول أن "يتعبط" قرار رفع الاسعار وحده، لهذا فهو يجهد كثيرا في تأكيد انه المسؤول الاول والاخير عن اتخاذه، كما انه خالف الرأي الامني الذي نصح بعدم رفع الاسعار في هذا التوقيت تحديدا. ( العرب اليوم )