حي الطفايلة مندمجاً في العاصمة

في اعتصام المسجد الحسيني الأخير ضد رفع الأسعار، تشكلت البؤرة الصلبة الأكثر تماسكاً فيه، مِن حوالي 200 شاب قدموا من حي الطفايلة شرق عمان، وقد غادروا الاعتصام نحو بيوتهم في مسيرة فرعية مشت في شارع "سقف السيل" خلف المسجد، وقد رافقتهم ومشيت معهم حتى وصلوا الى مدخل الحي. إنهم مجموعة من الشباب أعمارهم بين 15 الى 25 سنة، وهم ممتلئون حيوية ونشاطاً وشجاعة مع قدر لا بأس به من الفكاهة وخفة الظل فيما بينهم. ليسمح لي القارئ بالإشارة الى أنني أعرف الحي بقدر من التفصيل، فقد أجريت عنه بحثاً بعنوان: "الهجرة من الفقر الى الفقر" قدمته كورقة في مؤتمر عن التاريخ الاجتماعي الأردني عام 2000، وقد التقيت خلال البحث مع عدد من مؤسسي الحي الذين قدموا الى عمان مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، وقد لا يعلم كثيرون أن الحي تشكل من انتقال شبه كامل لأهالي قرية (عيمة) الواقعة في محافظة الطفيلة الى عمان، وذلك إثر سنوات متتالية من القحط. لقد وجد الطفايلة القادمون أمامهم منطقة صعبة لم يكن أبناء عمان يجرؤون على الاقتراب منها، بل كان الشباب يتراهنون حول مقدرتهم على الوصول الى قمة الجبل بين الوعر والأحراش، غير أن الطفايلة سكنوا الجبل وطوعوه بالتدريج. الى زمن قريب ظل الحي أقرب الى القرية من حيث علاقاته الداخلية باستثناء العمران، حيث وجدوا انفسهم في منطقة ضيقة فرضت عليهم نمط بناء خاص متلاصق العناصر، وربما يكون الحي أكثر مناطق عمان اكتظاظاً. المعلومات التفصيلية كثيرة ولا يتسع لها المجال الآن، غير أني عدت للحي بعد زمن في بحث آخر قبل أكثر من سنتين بقليل، وكان من الواضح أن الحي يتغير بسرعة، وأن مظاهر جديدة تنمو فيه وفي الأحياء المحيطة به تنبئ باحتمال تشكل مناطق ذات خصوصية معزولة ومغلقة عن المدينة، وربما في حالة خصومة مع المدينة. تذكرون في بداية التحركات الشعبية المستمرة منذ سنتين، انه في أول حادثة اعتداء على مسيرة وسط البلد، وعندما بحث الناس عن متهم، سارعوا الى الحديث عن "أصحاب بسطات من حي الطفايلة"، وقد كتبت حينها رافضاً التهمة عن أصحاب البسطات عموماً وعن الطفايلة خصوصاً، لأني اعرف الطرفين جيداً. في الواقع لقد كان العمانيون يشكلون انطباعاً سلبياً عن الحي سهّل عليهم توجيه التهمة، وبكل الأحوال فإننا الآن بعد سنتين نرى صورة أخرى، حيث تتصدر تحركات الحي أخبار التحركات في العاصمة. بالطبع قد لا تكون كل الصورة الحالية إيجابية، وقد يعترض كثيرون على ظاهرة "تحرك الحي" وعلى شعاراته، وبالنسبة لي أنا قلق جداً على النتيجة التي سيخلص بها الحي وكل فقراء الأردن من هذه التحركات وذلك بسبب انتهازية السياسيين في الحكم والمعارضة معاً، وهذا نقاش مشروع. غير أنه من زاوية تنموية تتعلق بمستقبل المدينة (العاصمة)، فإن علينا أن نتفاءل بالظاهرة الجديدة باعتبارها تجديداً لاندماج الحي مع باقي المدينة. وبالمناسبة فقد بدأ الحي عند تأسيسه مطلع الثلاثينيات وحتى مطلع الستينيات مندمجاً بقوة، غير أنه أخذ بالانكفاء تدريجياً على نفسه. ستنتهي الأزمة الحالية بكل تأكيد، ولكن الأوطان والعواصم أبقى من الأزمات، وبغض النظر عن تنوع زوايا التعاطي مع الأزمة الحالية، فإن على المعنيين بمستقبل المدينة أن يكونوا مرحبين بانفتاح مكوناتها على بعضها بعضا. وبالنسبة لحي الطفايلة فإن صورته الحالية في مجتمع العاصمة أفضل من السابق ويمكن البناء عليها.
( العرب اليوم )