منطقة معان التنموية.. أحلام مؤجلة ومشاريع في الخيال
المدينة نيوز - في التاسع من أيلول (سبتمبر) 2007 أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني مدينة معان التنموية لتشكل نواة للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، ضمن حلقات تنموية متكاملة تضع في سلم أولوياتها مكافحة الفقر والبطالة وتوفير فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
وفي 17 أيلول (سبتمبر) 2007 التقى الملك فاعليات أكاديمية وأهلية ورسمية من محافظة معان. حينها أوعز لهم مباشرة "بوضع التصورات والمطالب في صيغة آليات وبرامج عمل تسهم في تخطيط المنطقة التنموية التي تم الإعلان عنها".
في نيسان (إبريل) 2008، تم توقيع اتفاقية شراكة ثلاثية بين شركة الجنوب للإعمار والتطوير ومؤسسة المدن الصناعية وجامعة الحسين بن طلال، تأسست بموجبها شركة تطوير معان، كشركة خاصة تعنى – بحسب الأوراق الرسمية - بتطوير منطقة معان التنموية بمحاورها الأربعة، والإشراف على الترويج لها، وتطويرها، وإنجاحها من خلال جلب الاستثمار وتوفير الخدمات المحاسبية والإدارية وغيرها لدعم أعمال المستثمرين، ومتابعتها.
وتمتد منطقة معان التنموية على مساحة 9 كم2، وتتألف من أربعة محاور مختلفة في غاياتها ولكنها متكاملة هي: مركز تطوير المهارات، الروضة الصناعية، واحة الحجاج، والمجمع السكني، على ما يوضح الموقع الخاص بالمشروع.
وبحسب تصريحات المدير التنفيذي السابق لشركة تطوير معان محمد سالم الترك عقب إطلاق المشروع، فإن تكلفة أعمال البنية التحتية - وفق خطة الحكومة - عام 2007 تبلغ 200 مليون دينار، على أن توفر المرحلة الأولية – تهيئة البنية التحتية – سبعة آلاف فرصة عمل، من المفترض أن ترتفع عام 2025 إلى 20 ألف فرصة.
على أن كاتب التحقيق توصل إلى أن الاستثمارات مجتمعة وفّرت حتى الآن 86 فرصة عمل لسكان معان، مقابل 2600 فرصة موعودة- أي نصف عدد العاطلين عن العمل في هذه المحافظة، الأعلى في معدلات البطالة والفقر. وتقف مؤسسات العمل والاستثمار الحكومية عاجزة عن تثبيت حقوق العمال من أبناء المحافظة.
بعد مرور خمس سنوات على إطلاق منطقة معان التنموية يقف الواقع شاهدا على عشوائية التخطيط وضعف متابعة الأجهزة الرسمية. والأسوأ أن المخططين وضعوا العربة أمام الحصان لدى تنفيذ المشروع، إذ تبخرت خطط بناء مركز تدريب متكامل كان يفترض أن يستقبل 3000 طالب سنويا لتأهيلهم للعمل في مختلف المهارات. يكشف هذا التحقيق عبر سلسلة جولات ميدانية ومجموعة وثائق وكتب رسمية، ضعف التخطيط والمتابعة من قبل هيئة المناطق التنموية (المظلة الحكومية للمناطق التنموية في البلاد، ومنها منطقة معان التنموية) دون ترجمة التوجيهات الملكية إلى وقائع على الأرض.
بحسب تصريحات المدير التنفيذي لشركة تطوير معان د. ماهر مدادحة، فإن ما أنفق على البنية التحتية وعلى كل المرافق 27 مليون دينار حتى الآن، منها 12 مليون دينار مكرمة ملكية، تم إنفاقها على مساكن الطالبات، و 4 ملايين دينار تدخلات من الدولة لتوصيل خدمات الماء والكهرباء إلى الروضة الصناعية. يضاف إلى ما صرح به المدادحة مساهمة مؤسسة المدن الصناعية؛ وهي 32 هنجرا ومجموعة من المباني تقدر قيمتها بـ 27 مليون دينار، وأيضا 1000 دونم مساهمة جامعة الحسين بن طلال للمجتمع السكني. إلا أن المشهد العام على الأرض يبدو مخيبا لآمال سكَّان المحافظة الصحراوية.
فمركز المهارات لم ير النور حتى الآن. أما الروضة الصناعية، وهي عبارة عن بنية تحتية مجهزة بالكامل لجذب المصنعين والمستثمرين لتشغيل أبناء المدينة، فقد عجزت عن تحقيق الغاية منها طبقا للإحصاءات التي تكشف العدد الحقيقي للعاملين فيها من "المعانيين" ومزايا عملهم، فضلا عن تعثر أو توقف غالبية مصانعها، وتأخر إنجاز واحة الحجاج التي بدئ العمل ببنيتها التحتية مع منتصف عام 2011 عن البرنامج الزمني المعلن عام 2008 من قبل شركة تطوير الجنوب.
ومن المفترض، بحسب المخطط الشمولي لمنطقة معان التنموية، أن يخدم المحور الرابع - وهو المجمع السكني - أسر الموظفين ممن يعملون في مشاريع المحاور الثلاثة سالفة الذكر والذين قدرت الاستراتيجية وصول عددهم إلى 15 ألف عامل. يتم ذلك عبر "بيئة متكاملة لتوفير الراحة ونمط حياة عصري للموظفين باشتماله على مرافق متنوعة من فلل، مطاعم، شقق، مدارس، حدائق عامة وملاعب"، تبدو صورها الثلاثية الأبعاد مدهشة في كتيبات منطقة معان التنموية. لكنها ليست موجودة على أرض الواقع حتى الآن.
الروضة الصناعية... مصانع لا تعمل
المنظر العام من بعيد يبشر بوجود استثمار هائل داخل هذه الروضة. كما يوحي بوجود آلاف الأيدي العاملة في مختلف الصناعات، ولربما تتمنى أن تكون أحد المحظوظين للعمل هناك، لكن الصورة سرعان ما تتبدد مع الاقتراب أكثر وولوج ساحات الروضة والتجوال بين جنبات مصانعها.
بحسب كشوفات منطقة معان التنموية تحوي الـ50 هنجرا تلك 26 "استثمارا قائما" بقيمة بـ 82 مليون دينار، منها 13 مصنعا عاملا، وثلاثة متعثرة لأسباب مالية ومصنع واحد متوقف والتسعة المتبقية قيد الإنجاز.
في حين أن الزيارات الميدانية لكاتب التحقيق تؤكد وجود ثمانية مصانع عاملة في الروضة وليس 13.
من جانبه يؤكد مدير الروضة الصناعية المهندس هاني خطاطبة أن حجم الاستثمار في تلك المصانع الثمانية القائمة يزيد على 39 مليون دينار، في حين يشير كتاب لمنطقة معان التنموية إلى أن المتحقق من الاستثمارات قيمته 55 مليون دينار.
وتشمل قيمة الاستثمار، وفق خطاطبة، الأرض، الهناجر، وسائر الخدمات المقدمة من مياه وكهرباء، يضاف إليها نفقات المستثمر.
لدى مراجعة العقود التي تم توقيعها مع المستثمرين وتم الإعلان عنها عامي 2008 – 2009 فإن فرص العمل التي من المفترض أن توفرها الروضة لأبناء المحافظة تقدر بأكثر من 2600 فرصة عمل. أما تقديرات شركة تطوير معان، فتقول إن من المتوقع أن يوفر النشاط الصناعي في هذه الروضة ما يقرب من 8 آلاف فرصة عمل بحلول عام 2017 وصولا إلى 20 ألفا بحلول عام 2025.
في المقابل تفيد الأرقام الصادرة عن منطقة معان التنموية بأن الروضة "وفرت حتى الآن 124 فرصة عمل، من بينها 102 من أبناء المحافظة". إلا أن الزيارات الميدانية للروضة الصناعية وسجلات مديرية عمل محافظة معان تؤكد أن الروضة لم تشغل سوى 86 عاملا وعاملة، منهم 39 من أبناء المجتمع المحلي ، 23 من خارج محافظة معان، و24 من العمالة الوافدة.
ويعلق رئيس غرفة صناعة وتجارة معان عبدالله صلاح على ذلك بالقول: "من تاريخ إنشاء الروضة الصناعية وحتى الآن لم يلمس المواطن في محافظة معان أي تغيير حقيقي أو نقلة نوعية فيما يخص تشغيل الأيدي العاملة وإتاحة الفرص أمام الشباب". ويؤكد أن حجم المال والمساحة والحديث والإعلام عن الروضة والعقود التي تم توقيعها وأعلن عنها آنذاك يفترض أن يبلغ عدد الأيدي العاملة في الروضة من أبناء المدينة الآن بين 2500 – 3000 شاب وشابة .
مدير مركز الدراسات والاستشارات وتنمية المجتمع في جامعة الحسين والمتخصص في الإعلام التنموي د. باسم الطويسي يرى "أن شركة تطوير معان أخفقت في فهم آلية تأهيل الأيدي العاملة. فهي لم تخلق علاقات تشاورية واسعة مع القطاعات المتعددة خارج حدود الروضة الصناعية، وكان بإمكانها تدريب الآلاف من أبناء المنطقة وتزويد سوق العمل بهم، بخاصة في المشاريع الكبيرة التي شهدتها المنطقة خلال 5 سنوات مضت".
لدى سؤالنا المدير التنفيذي لشركة تطوير معان عن التباين في الأرقام بين الواقع وما هو موجود في الأوراق الرسمية فسر مدادحة ذلك بقوله: "إن ارقام العمالة في الاستثمارات القائمة في الروضة الصناعية متحركة وتتغير ارتفاعا وانخفاضا خلال شهرين، وإن هذه الأرقام لا يعول عليها".
أحلام تتبخر
الثلاثينية (آ،ح) أم لطفلين، متزوجة من سائق في القطاع العام، مرتبه الشهري (300 دينار) لا يكفي لإعالة أفراد الأسرة بعد أن يدفع نصفه إيجارا لمنزله. ما تزال (آ) منذ ثلاث سنوات وحتى لحظة كتابة هذا التحقيق تتطلع للعمل في أحد المصانع التابعة للروضة الصناعية لتعين زوجها في كده لكسب لقمة العيش.
سبق أن تلقت هذه السيدة تدريبا على تجميع عدادات الكهرباء رفقة 21 فتاة عام 2010 في مركز التدريب المهني للمحافظة وبالتنسيق مع شركة تطوير معان. الهدف من التدريب كان "تأهيل تلك الفتيات للعمل في مصنع العدادت الأردني-البريطاني في الروضة الصناعية" على ما تروي.
بعد تفوقهن في التدريب تم اختيار (آ) وسبع من زميلاتها للعمل في هذا المصنع.
المهندس أحمد العمرات، المشرف على تدريب تلك الفتيات في مركز تدريب مهني معان أكد أن 16 فتاة نجحن في البرنامج المخصص للتدريب، وأن 14 منهن مؤهلات للعمل فعليا ضمن تجميع العدادات.
لم تدم لحظات البهجة بالحصول على العمل طويلا، فالفرصة الموعودة ضمن مشروع الروضة الذي سوقته الجهات الرسمية على أنه الحل لمشكلة البطالة والفقر في المحافظة، لم تكن سوى جحيم استمر لبضعة شهور انتهت بتسريحها وزميلاتها قبل توقيع العقد.
الشروط التي فرضها صاحب المصنع على (آ) وزميلاتها تضمنت العمل لنحو 10 ساعات يوميا على مدار خمسة أيام في الأسبوع دون تأمين صحي، ضمان اجتماعي، بدل مواصلات، حوافز أو إجازات، على ما تروي هذه السيدة: " كان هدف صاحب المصنع تشغلينا لمدة شهرين فقط وتسريحنا قبل توقيع العقد، فهو بذلك لن يضطر لتحمل الأعباء المالية الناتجة عن إدراجنا في الضمان او التأمين الصحي طبقا لقانون العمل".
اشتكت (آ) وزميلاتها لمكتب عمل معان، وهو ما اكدته أيضا رئيسة قسم التفتيش في المكتب أروى الرفايعة "بعد تقديم الشكوى في المكتب قمنا بتحرير مخالفة للمصنع باعتبار الفصل تعسفيا، وهذا أقصى ما يمكننا فعله".
يؤكد مدير الروضة الصناعية، المهندس هاني خطاطبة الجهة، المسؤولة عن متابعة هذا المصنع ومصانع أخرى داخل الروضة الصناعية أن الفتيات تم تدريبهن لأربعة شهور، وأن أجور عمل كل فتاة بلغت 100 دينار شهريا دون التزام بالتوظيف من قبل صاحب العمل. إلا أن آمال تؤكد أن مرتبها وزميلاتها لم يتجاوز 50 دينارا مقابل شهرين من العمل دون أن تنفي أن عقدها نص فقط على التدريب.
لم يتمكن معد التحقيق من أخذ رد من صاحب العمل على رواية آمال، لكنه تمكن من التقاء المهندسة المشرفة على المصنع، ولاء المدني. تؤكد المدني "عدم حاجة المصنع لمثل هذا العدد من العاملات، كما أن المصنع لم يوقع معهن عقد عمل. وقد كنَّ ضمن فترة التدريب".
حقوق عمالية غائبة
(س،ك) 26 عاما إحدى فتيات المجتمع المحلي، عملت في مصنع (السهم الذهبي لصناعة الأسمدة) مع بداية تشرين الأول (أكتوبر) 2011، واستمرت بالعمل حتى نهاية أيار (مايو) 2012. طيلة تلك الفترة ظلت دون مسمى وظيفي محدد، لتنوء بمهام السكرتاريا، اللوازم والمالية وبمرتب شهري لا يتجاوز 250 دينارا.
العشرينية، خريجة جامعة الحسين بن طلال قسم إدارة المكاتب عام 2007 تقول "كنت أعمل خمسة أيام في الأسبوع من الثامنة صباحا وحتى الرابعة عصرا. لكن بعض العاملين كان يتجاوز عملهم 10 ساعات دون مقابل (أوفر تايم). لم أكن أتلقى خلال سنة كاملة من عملي الحقوق العمالية الأخرى، كالضمان الاجتماعي، التأمين الصحي، الإجازات والعمل الإضافي وهو حال بقية الزملاء، حتى استنفدت تماما وقررت الاستقالة".
بعد هذه التجارب الفاشلة انضمت الفتاتان إلى صفوف العاطلين عن العمل في المحافظة البالغ عددهم أكثر من 18 الفا؛ بما يعادل
15.7 % من سكان معان، بحسب البيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة لعام 2011.
يرى الخبير بالاقتصاد التنموي د. ابراهيم الهوارين أن "الهدف الأساس من قيام شركات تطوير المناطق التنموية هو رفع المستوى المعيشي لسكان المناطق الأقل تنمية – وهذا ينطبق على شركة تطوير معان- ويتحقق هذا الهدف من خلال استقطاب مزيد من المشاريع الاستثمارية للمحافظة، القادرة على خلق تغيير إيجابي في واقع حياة السكان".
على أن "المشاريع التي استقطبتها شركة تطوير معان لم تظهر أي تغيير ملموس على النشاط الاقتصادي في معان، وهذا ما يجعلنا ندور في مدار الاقتصاد الريعي أو اقتصاد الغنائم الذي يكلف خزينة الدولة الكثير، دون جدوى"، يضيف الخبير.
مركز لتطوير المهارات ما يزال حبرا على ورق
"في قلب مدينة معان وإلى الشمال من الروضة الصناعية يقع مركز تطوير المهارات بمساحة 50 ألف متر مربع، وبطاقة استيعابية تبلغ 3000 متدرب، لتزويدهم بالتدريب النظري والعملي وخدمات السكن" ، هذا هو وصف المركز كما يرد في النشرات الترويجية الرسمية لمنطقة عمان التنموية.
لكن وبعد ثلاث سنوات على اطلاق استراتيجية منطقة معان التنموية، لا يظهر سوى يافطة باسم مشروع مركز تطوير المهارات، تحاصرها الصحراء من كل جانب.
تأخر إنجاز هذا المركز رغم انطلاق مشروع منطقة معان التنموية منذ خمس سنوات عام 2008، زاد من صعوبة تشغيل مصانع الروضة الصناعية لأبناء المدينة، نظرا لنقص خبراتهم وكفاءاتهم.
مدير الموقع في مصنع النخبة لصناعات الأسمدة الزراعية والأدوية البيطرية عبدالله الجالوسي يشكو مما يصفه "تدني مستوى خبرة العاملين من أبناء المحافظة، ما يدفعه إلى تسريحهم بشكل متكرر".
وهذا ما أكدته أيضا مديرة الاستثمار في الروضة الصناعية نانسي الشبطات، من أن "معظم طالبي التوظيف من أبناء معان غير مؤهلين، وكثيرا ما تتفاجأ بقلة خبرة من ترسلهم للعمل في المصانع على اختلافها، لذا لا بدَّ من البحث دائما عن الأفضل".
بحسب خطط شركة تطوير معان من المفترض أن يقوم مركز تطوير المهارات "بتزويد الأيدي العاملة في منطقة معان التنموية من عمال وموظفين وخريجين بأعلى درجات التأهيل والكفاءة والاحتراف التي تمكنهم من تشغيل وإدارة وإدامة المصانع والأنشطة الاقتصادية التي تحتضنها الروضة الصناعية، كما يقوم بتأهيلها للعمل ضمن أسواق العمل المحلية والإقليمية ومواجهة تحدياتها".
مدادحة وبعد سؤاله عن عدم وجود مركز المهارات على أرض الواقع حتى الآن أجاب بالقول "أنظر إليه من ناحية اقتصادية بحتة، ليس من المعقول أن أبني مركزا للمهارات، وليس هناك حاجة ماسة لتنمية مهارات بشرية بأعداد كبيرة في ظل ضعف الطلب على الأيدي العاملة من قبل المصانع في الروضة الصناعية".
في حين يرى الطويسي أن تنمية رأس المال البشري عصب التنمية المحلية فلقد "تضمنت الرؤية التنموية لمنطقة معان إنشاء مركز متخصص للتأهيل التقني والمهني أطلق عليه مركز المهارات كان من المفترض أن يكون مزودا للقطاعات الانتاجية في المحاور الأخرى بالكفاءات المطلوبة إلا أن هذا المركز بقي على الورق ولم ير النور".
واحة الحجاج... تأخر في الإنشاء... ولا جدوى اقتصادية
بحسب أوراق منطقة معان التنموية "تمتد هذه الواحة، على مساحة 200 دونم، لتقدم الخدمات المتنوعة للحجاج والمعتمرين المسافرين براً لأداء مناسك الحج والعمرة من "أماكن للإقامة كالفندق والخيم، مواقف للمركبات، مسجد، مطاعم ومحلات تجارية متخصصة بمستلزمات الحج والعمرة، إضافة للعديد من الخدمات الضرورية الأخرى والمصممة خصيصاً لتمنح زوارها تجربة روحانية فريدة، كما سيتيح المجال أمام التجار والمستثمرين لزيادة أرباحهم وعوائدهم نظرا للأعداد الكبيرة من الزوار الذين يؤمون المدينة". إلا أن تلك الواحة لم تر النور هي الأخرى حتى الآن؛ إذ لا تزال في مرحلة إنشاء البنية التحتية التي بدأت فقط في أيلول (سبتمبر) 2011. ورصد لها مبلغ 4 ملايين دينار، على أن تنتهي أعمال البنية التحتية لها في أيلول (سبتمبر) 2012.
وعند سؤال مدادحة عن سبب تأخير محور واحة الحجاج الذي من المفترض أنه بدئ العمل به مع انطلاقة مدينة معان التنموية، ولماذا شرع بأعمال البنية التحتية في الثلث الأخيرمن 2011 ولم تنته للآن على الرغم من مرور 12 شهرا، قال "واحة الحجاج من المفترض أن يقوم بها القطاع الخاص إلا أنه وبعد تقييم المشروع تبين أنه غير مجد اقتصاديا لأن الحج عمل موسمي ولا توجد هنالك عوائد تخلق فائضا، ومن المفترض أن يكون عدد الداخلين عليها على الأقل نصف مليون زائر وهو أمر غير مضمون إلا في حالة إجبار الناس على الدخول. يحتاج الأمر قرارا مركزيا لإجبار الناس على دفع دخولية لتغطية كلف البنية التحتية، غير أنه ليس من السهل أن تفرض على الحجيج التوقف في الواحة".
المجمع السكني
"على مقربة من جامعة الحسين من طلال وفي الشمال الغربي لمدينة معان يتربع المجمع السكني لمنطقة معان التنموية بما يحتضنه من أكثر من 4000 وحدة سكنية موزعة ما بين الفلل وأشباه الفلل، الشقق وإسكانات الطلاب والمخدومة بسائر البنى التحتية والمرافق اللازمة من مدارس، مساجد، مراكز صحية، مراكز تسوق... وحدائق ومتنزهات بمساحاتها الواسعة وخضرتها اليانعة لإيواء 15 ألف شخص".
تبدو هذه الصورة التي تقدمها بروشورات منطقة معان التنموية كاملة تماما، لا ينقصها في الواقع إلا تفصيل واحد وهو أنها ليست سوى كلمات لم تر النور على أرض الواقع.
هذا المجمع السكني "الطموح" لم ينته حتى الآن، رغم مرور خمس سنوات على إطلاق مشروع تطوير معان، جل ما نفذ منه حتى لحظة كتابة هذا التحقيق، سكن للطالبات يتسع لنحو 1500 طالبة كلف نحو 14 مليون دينار. رغم أن فكرة هذا المجمع تقوم على تأسيس إسكانات متعددة للطلاب تسمح بإيواء 3000 طالب، كان يفترض أن تستكمل أعمال بنائها بحلول العام الدراسي 2009/ 2010.
مدادحة يقول عن سبب التأخير في تسليم مساكن الطالبات "كان هناك سرعة ومبالغة لدى المخططين لهذا المشروع في تقييم وتحديد الوقت اللازم لإنشائه... هذه مشكلة توقع".
يضيف المدادحة "التأخير في أعمال المجمع السكني ناجم عن عدم وجود استثمار بالحجم الكافي حتى الآن... فهو مبني على احتياجات العاملين في المنطقة التنموية".
من جانبه يرى رئيس بلدية معان السابق خالد الشمري أن "مشروع مساكن الطالبات - الذي يعد نواة المجتمع السكني لشركة تطوير معان - يفتقر إلى الكثير من التخطيط التنموي، فمشروع السكنات مثلا يحاكي مشاريع أخرى يملكها أبناء المدينة، في حين من المفترض في شركة تطوير معان أن لا تنافس أبناء المحافظة في استثماراتهم، بل تأتي بما هو جديد، فضلا عن أن التكلفة التي قامت عليها السكنات عالية جدا".
يرى الطويسي أنه وبعد مرور 5 سنوات على تأسيس شركة تطوير معان كذراع أساسية لمنطقة معان التنموية ومطور رئيس للمنطقة في ضوء الرؤية التنموية التي قدمت أمام للملك في التاسع من أيلول (سبتمبر) 2007 "لا تزال الانجازات أقل من طموحات المجتمع المحلي؛ فمن خلال استعراض المحاور الأربعة للمشروع، والحملات الإعلامية يتضح أن حجم الإنجاز مخيب للآمال، فقد بقيت معظم المحاور حبرا على ورق".
ويرجع الطويسي واقع المشروع "المخيب للآمال" إلى ما يصفه "بالخلل في تقديرات المؤسسات المعنية بالمشروع للفرص التنموية والاقتصادية من جهة، وإلى الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد من جهة أخرى. ويقول "لاحظنا أن المنطقة التنموية أديرت دعائيا وبواسطة العلاقات العامة أكثر من البحث عن الفرص الاقتصادية والتنموية بشكل جدي".
وحول الجدول الزمني المخصص لتنفيذ المحاور أكد مدادحة أن "المنطقة التنموية يفترض أن تنفذ على 25 عاما، فالمناطق التنموية تحدد أهدافها على المدى البعيد لا القصير".
لكن رئيس غرفة تجارة وصناعة معان عبدالله صلاح، ورئيس بلدية معان الكبرى السابق خالد الشمري، نافيا وجود مثل هذا السقف الزمني للمشروع لدى إعلان منطقة معان التنموية في محاورها الأربعة، وقالا "من غير المعقول أن يكون هناك خطة مدتها 25 عاما ولو كان هنالك شيء لتحدثوا به". ويرى الشمري أن شركة تطوير معان مثلت "ضربة قاضية لسكان المحافظة، فبناء على الزخم الإعلامي الذي سبقها، عقد عليها المعانيون أمالا عريضة، سرعان ما تبددت، مع مرور السنوات وبقاء الحال على ما هو عليه".
من وجهة نظره، يعتقد صلاح أن شركة تطوير معان "لم تدرك أن عملية التنمية معقدة بخلاف ما تصوره الموظفون من أنها محض رسومات توضيحية، لافتات ضخمة ودعاية فارغة المضمون. أضف إلى ذلك أن الدولة لم تدرك أن مشاريع من هذا النوع تحتاج إلى دراسة معمقة للواقع الاقتصادي، وطبيعة الثروة وكمياتها، إضافة إلى توفير الشروط الأولية اللازمة للبدء بالعمل ومستوى تراكم الرأسمال الأولي، مع الأخذ بعين الاعتبار المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي لسكان المنطقة".