حول إصرار المعارضة على شعار الإصلاح

كان مهما ما صدر عن قيادة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي من تأكيد على شعار الإصلاح السياسي بعد ارتفاع سقف الشعارات في الشارع إثر قرار رفع الدعم عن المحروقات، وهو ما أكدته الجبهة الوطنية للإصلاح على لسان رئيسها أحمد عبيدات.
يأتي ذلك جزءا لا يتجزأ من قناعة الجماعة، وليس كما يعتقد بعضهم من أنه تراجع إلى الوراء بسبب حشد الفزعات الإعلامية ضدهم، فضلا عن تجييش عدد من الناس كي يتظاهروا أمام مقرهم العام رافعين شعار “الشعب يريد إسقاط الإخوان”، من دون أن يعرف بعضهم مضمون الشعار، وكيف يمكن إسقاط تجمع سياسي متجذر في الشارع منذ عقود؛ هكذا بكل بساطة!! ومن دون أن يدركوا أن الإصلاح ليس مطلب الإخوان فحسب، بل هو مطلب غالبية الناس الذين تجاوز كثير منهم سقف الجماعة في شعاراتهم وبرامجهم.
والحال أن الإخوان لم يغادروا مربع الإصلاح منذ سنوات طويلة، وهم أصروا عليه في سياق الحراك الذي تلا الربيع العربي، لكن كثيرين يريدون تفصيل مسار الإصلاح على هواهم بما لا يغادر لعبة ديمقراطية الديكور التي كانت سائدة قبل ربيع العرب، وحيث تحصل المعارضة، أية معارضة على “كوتا” محدودة من مقاعد مجلس نيابي مدجن، بينما تبقى آليات اختيار الحكومات وإدارة الدولة على حالها دون تغيير.
لطالما تحدث كثيرون عن الآلية التي اتبعها المغرب في سياق التعاطي مع الحراك الإصلاحي الذي اجتاح الشارع بعد ربيع العرب، وكيف تم استيعاب الموقف بطريقة ذكية، من دون أن يكون بوسعنا الجزم بمآلاتها التي ستعتمد على ما يتاح للحكومة من صلاحيات تقنع الشارع بوجود ديمقراطية حقيقية وتداول على السلطة وحكومة شفافة ذات ولاية حقيقية تكون مسؤولة أمام الشعب.
ما الذي يمنع من تكرار التجربة هنا، بداية عبر حكومة إنقاذ وطني تتشكل من رموز مشهود لها بالنزاهة، وهي التي تشرف على آليات الإصلاح والمسار الديمقراطي، في ذات الوقت الذي تضع الناس بكل وضوح وشفافية في صورة الوضع بعد اتخاذها إجراءات مقنعة في سياق حماية المال العام وملاحقة الفاسدين وترشيد الإنفاق وهيكلة الوضع الاقتصادي بما يحمي الطبقة الفقيرة، وسوى ذلك من الإجراءات التي تقنع الناس بوجود تغيير حقيقي.
إن حلَّ اللغط الذي يجري لا يكون إلا بحكومة من هذا النوع تكون لها ولايتها الحقيقية التي تمنحها القدرة على الرد على أسئلة الناس فيما خصَّ مدخلات الدولة ومخرجاتها بالكامل، وحينها يمكن للناس أن يتحملوا أية إجراءات مهما كانت صعبة ما دامت ضرورية ومقنعة.
أين المشكلة في تأجيل الانتخابات وانتظار التوافق على قانون انتخاب معقول يفرز برلمانا يعبر عن هموم الوطن والمواطن بعيدا عن لعبة نائب الخدمات التقليدية التي تكرس طابع الفساد أكثر مما تراقبه وتقيد يديه؟! هناك بالطبع ملف المعتقلين على خلفية الحراك، وهؤلاء لا بد من الإفراج عنهم من أجل تنفيس الاحتقان، ومن أجل فتح الباب أمام حكومة الإنقاذ التي تتولى المسؤولية عن المرحلة المقبلة وتقرر ما الذي يمكن عمله للخروج من حالة التأزم القائمة.
إن محطة الإصلاح واضحة لمن أراد سلوك الطريق المؤدي إليها، لكن البعض يصرُّ على إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء رافضا الاعتراف بأن هناك زمنا عربيا مختلفا. وحتى لو أصاب ربيع العرب بعض التعثر هنا وهناك، فإن ذلك لا يغير في حقيقة أنه مسار واضح ومآلاته معروفة لكل ذي عينين.
( الدستور )