نريد أن ننتصر « للعفة » لكن كيف !

تم نشره الثلاثاء 04 كانون الأوّل / ديسمبر 2012 01:07 صباحاً
نريد أن ننتصر « للعفة » لكن كيف !
حسين الرواشدة

 

الدعوة الى «العفة» لا تتعارض ابداً مع رفض الاساءات التي تتعرض لها «المرأة»، أو مع ادانة الممارسات التي تخدش الحياء العام مهما كان مصدرها، لكن ما حدث من جدل حول «فيلم» اعدته عدد من الطالبات في احدى جامعاتنا حول «ظاهرة التحرش» يعكس صورة اخرى غير مفهومة لمجتمعنا، فالذين اندفعوا الى اتهام الطرف الذي أعدّ الفيلم بالاساءة الى الجامعة والى اساتذتها وطلابها بحجة ان «ظاهرة» التحرش غير موجودة اصلاً أخطأوا في هذا الافتراض، كما اخطأوا ايضاً حين توجهوا الى «الضحايا» بالتأنيب وتجاهلوا التعرض لبعض «المنحرفين» الذين ضلت اقدامهم طريق الصواب، زد على ذلك ان الذين اختزلوا «المشهد» في زاوية الدفاع عن «الطالبات» اللاتي يتعرضن للاساءة اخطأوا حين أغمضوا اعينهم عن الاسباب الاخرى التي تدفع البعض لممارسة مثل هذه الانحرافات، لا لتبرير افعالهم، وإنما من أجل فهم «الظاهرة» والاحاطة بها.. وتقديم ما يلزمها من حلول.


غاب عن الطرفين معاً في زحمة الصراع انهما يدافعان عن «العفة»، وأن بمقدورهما أن يلتقيا على «مشترك» واحد يحقق الهدف ذاته، كما غاب عن «الجامعة» التي يفترض انها «جرم للحريات» واجب توجيه النقاش وادارته، والالتفاف الى «المشكلة» بدل الدوران حولها، والاهم واجب الانتصار الى سمعة الجامعة ومن فيها، لا باعتماد منطق «انكار» المشكلة ومعاقبة من كشف عنها، وانما باعتماد منطق البحث والاستقصاء المنسجم اصلاً مع مستلزمات الحرية الاكاديمية التي تفتح ابواب الحوار وتنحاز الى الحقائق لا الانطباعات.


اذا دققنا في المشكلة بعيداً عن هذا الجدل الذي امتدّ من الجامعة الى المجتمع، وهو بالمناسبة نسخة مكررة لما يحدث في مجتمعنا اليوم من جدل حول الاصلاح ووصفاته المعتمدة، سنكتشف بأن الاساءة الى المرأة، بأشكالها المختلفة، ما زالت من القضايا «المسكوت عنها»، صحيح أن بعض اخواتنا يتحملن قسطاً من مسؤولية ذلك، سواءً بسبب صمتهن او خوفهن او بسبب عدم اعتبارهن ما يلزم من تقاليد اجتماعية وخروجهن بمظاهر غير لائقة ومستفزة للشباب لكن الصحيح ايضاً أننا – كمجتمع – نتحمل النصيب الاكبر: مراكزنا الاكاديمية التي لم تتحرك لبحث هذه الظاهرة ومناقشتها تتحمل جزءاً منها، وتشريعاتنا التي لم تكن حازمة في معاقبة المخطئين تتحمل جزءاً آخر وخطاب مؤسساتنا الدينية الذي اختصر «العفة» في النساء فقد يتحمل نصيبه من المسؤولية.. ومناخاتنا التعليمية والسياسية التي افرزت من الناس اسوأ ما فيهم من سلوكيات مسؤولة ايضاً.


بدل أن نتصارح حول مشكلاتنا ونتعاون ونتوافق لمناقشتها، نتحول – للأسف – الى «حلبة» الصراع، ونتراشق التهم، ويتنصل بعضنا من مسؤولياته ويضعها على الآخرين، ونتوجه الى ادانة الضحية وتبرئة المخطئ.. وبدل ان نفتح الحوار بيننا بقصد الوصول الى النتائج المطلوبة، ندخل في سجالات هدفها افحام الخصم وتجريحه والاساءة اليه، فنقع عندئذ في المحذور، ونغطي على القضية السياسية لننشغل «باساءات» جديدة ليس لها آخر.
باختصار، نريد ان ينتصر الجميع لعفة «المجتمع» والجامعة.. ولعفة المرأة والرجل معاً، لكن هذا الانتصار الواجب يستدعي اولاً ان نتصالح مع ديننا وقيمنا وانفسنا.. وأن نتوافق على حرمة المساس بحريات الناس وخياراته من وان نخرج من دائرة الانقسام والصراع الى افق التفاهم والحوار «بالتي هي أحسن».

( الدستور )

 

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات