الفرح المقهور ..!
أقسم أغلظ الأيمان بأن الشوق إلى رؤية دولة فلسطينية حقيقية وفعلية يكاد يتقلني ، ولست أنا وحدي ، فهذا الشوق الدفين تكنه وتحمله أيضا الملايين من أبناء الأمتين العربية والإسلامية ، ولكن الذي يحدث على أرض الواقع لا يقودنا إلى ملامسة الفرح والإبتهاج والسعادة التي نتمناها و نتوق اليها ، وأدرك تماما أن الكتابة بعكس مجرى التيار ليس هدفي ولا هو غايتي ، فلقد تابعت وبأعلى درجات الموضوعية ، واليقين مجريات كل ما حصل في الأمم المتحدة وجمعيتها العامة ، وما جرى من تصويت لفلسطين وحصولها بموجبه على موقع دولة غير عضو أو مراقب ، تابعت أغلب التفاصيل وبأعلى قدر ممكن من التجرد البعيد عن العواطف والأحاسيس .
وتابعت أيضا كماً وافراً من ردود الأفعال ومن مختلف الأطراف ذات العلاقة ، وحاولت أن لا أترك لا شاردة ، ولا واردة أوردتها وسائل الإعلام التي أبرزت الحدث إلا ودخلت للإطلاع عليها ، فحالة العطش التاريخي للحرية و الإستقلال الوطني عند أبناء شعبنا المقهور لا توصف ، ولها ما يبررها بعد هذه العقود الزمنية الطويلة التي مارس فيها الصهاينة أبشع الجرائم بحقنا ، وبحق كل شيء كانت تصل إليه أيديهم الملطخة بدماء الأبرياء من الضحايا الذين سقطوا على درب هذا الصراع ، إن تلمس هذه الحالة النفسية الراغبة في الفرح عند شعبنا ليست بحاجة إلي اي جهد يذكر .
بالمقابل فإن الإفراط السلبي في نفخ وتضخيم أية مسألة وبعيدا عن حجمها الفعلي لا يمكن أن يتمخض عنه نتائج حسية ملموسة ايجابية حتى نرى لها ترجمات على أرض الواقع ، فحتى عتاة المحللين والمراقبين اكتفوا بالقول والإشارة إلى أن الإنجاز الذي تم قد قام على ركائز ومعطيات الفعل الدبلوماسي المعنوي الذي يرافق الحدث في لحظة ولادته ، ويظل مرافقا له حتى لحظة العودة من جديد للإصطدام بجدار الواقع المتعلق و المرتبط باستمرار الإحتلال الصهيوني البشع الذي يرفض أن ينسحب عن متر واحد من الأرض ، بل لقد لجأ ومن بداية سخونة الحدث وكرد فعل إلى الإعلان عن إقامة ثلاثة الآف وحدة سكنية جديدة من مشاريع الإستيطان و في داخل حدود مدينة القدس الشريف .
ومن هنا فإن الإفراط في التحليلات التي كان همها التركيز على ممارسات بطولية تاريخية للرئيس أبو مازن ، أو في تناول الحالة الإحتفالية التي رافقت العودة إلى مقاطعة رام الله وما تم فرشه على أرضها من سجاد و من تفقد لحرس الشرف والوصول بسيارة ترفع علمان ، كل ذلك وغيره لا يجدي ولا ينفع ، بل إنه حتما سيؤخر إذا لم يتم الإنتباه إلى حقيقة مرحلة ما بعد هذه العضوية التي تحققت وما هو المطلوب فلسطينيا ؟ وما هي الخطوات الواجب قطعها ؟ لتغليب الإنجاز الموضوعي الملموس على النفسي المعنوي لأننا لا نتحدث عن عرس ينتهي بإغلاق الأبواب على العريس والعروس .
هذه الخطوة يجب أن تفتح الأبواب وعلى مصراعيها لتناول عثرات وإحباطات وتردي الوضع الفلسطيني وعلى مختلف الأصعدة ، فالرئيس الفلسطيني الذي يعلن أنه صمد في وجه الضغوط الشديدة والعديدة التي مورست عليه وعلى خطابه وبهدف منعه من الذهاب للأمم المتحدة ، يعلم جيدا ، وقبل غيره ، أن الضغوط من العدو الصهيوني على الشعب هي المرشحة للإزدياد والتفاقم ، فماذا أعد يا ترى لمواجهة ذلك ؟ وما هي المواقف والسياسات التي سيسير على هداها ؟ وهو يردد أن العالم اليوم معنا ، والتاريخ معنا ، والمستقبل لنا ، هذا هو السؤال الأهم من منصة الشرف ، وتفقد الحرس ، وعزف أنغام النشيد الوطني ورفع الصور .
إن قطاع غزة الخارج منتصراً من العدوان الآخير له دين ثقيل في رقبة الرئيس إذا كان يري نفسه رئيسا فعليا لكل الشعب ولكل الجغرافيا الفلسطينية ، وأقول غزة التي قدمت لحمها و دمها ليأخذ منه الرئيس ما يكفيه من الشحنات ليكون أشد وأقوى في وقفته على منصة الأمم المتحدة ، إن الوحدة ووطنيتها ، ولا أقول المصالحة ، وإنهاء الإنقسام والخلاف لهم ديون لا حصر لها على كل المؤسسات الفلسطينية ، فمتى يبدأ موسم السداد الفعلي ؟ .
إن الأبطال الفعليين لا يبحثون عن أدوار ، فالأدوار التي يستحقونها هي التي تبحث عنهم ، لأنها لا تليق إلا بهم ، وهذا لا يتحقق برفع صورة وإطلاق بعض الأغاني والأهازيج ، فالحديد لا يفله سوى الحديد ، ومن يريد أن يكون رمزا فعليا لشعبه وكفاحه فعليه أن يبحث عن الترجمات والإحتياجات الفعلية لهذه الرمزية وأن يعمل بالتالي على إيجادها وتوفيرها .
وعلى سبيل المثال ، فإن الذل والهوان وضياع الوقت الذي حصدناه من وراء اتفاق أوسلو يجب أن ينتهى ، فلماذا لا نسقطه ونلقي به وراء ظهورنا ؟ كما أن عدونا هو المستفيد الأول والأخير من مسلسل التنسيق الأمني الفاضح والمعيب ، فلماذا لا نغلق هذا الملف وإلى غير رجعة ؟ إن الفرح المقهور و حتى يغدو سعيدا ، بحاجة ماسة إلى الفعل الشعبي المقاوم ، والمتواصل على كل الصعد وبشتى الوسائل ، هذه هي بداية الطريق نحو التحرير الفعلي والدولة الملموسة ، وبغير ذلك ستبقى أفراحنا مقهورة .
اقول مقهورة ، لأن سيادة وفخامة ابومازن وقبل أن يغادر نيويورك أعلن عن تمسكه بإتفاق اوسلو وبضرورة البناء عليه ، والسيد رياض المالكي وزير الخارجية يصرح بأن العودة إلى المفاوضات ستكون اقوى بعد هذا الإنجاز، وعليه فإن الفرح الفلسطيني الفعلي لا يزال بعيداً بالرغم من كل حلقات الدبكة و الرقص التي خططوا لها في ساحة مقاطعة رام الله عاصمة سلطتهم .