مزاد للبطاقات الانتخابية

نزاهة الانتخابات لا تعني فقط ضمان عدم تدخل الطرف الرسمي في صناديق الاقتراع، او الالتزام بشروط الشفافية والرقابة في اليوم الذي تتم فيه الانتخابات، وانما تعني ايضا ادامة الرقابة القانونية والاخلاقية وتفعيل مبدأ “المحاسبة” على جميع المشاركين في العملية الانتخابية ابتداء من يوم الدعوة الى الانتخابات وحتى ظهور النتائج.
نُذكِّر بقضية “النزاهة” مع اقتراب موعد الانتخابات في بلادنا لانها تشكل “الرهان” الوحيد للنجاح في تمرير وصفة “الاصلاح” التي حُسمت عتبتها مؤخرا بالذهاب الى “الصناديق” ونُذكِّر بأن وقف تجريح هذه “النزاهة” من الطرف الرسمي – كما تعودنا- لا يمكن ان يتم فقط من خلال حضور “الهيئة المستقلة” التي تعمل بجدّ حقيقي لاجراء انتخابات نظيفة، وانما تحتاج الى “دعم” حكومي لمساعدة الهيئة على تنفيذ احكام قانون الانتخاب خاصة فيما يتعلق بالتجاوزات التي تحصل سواء من قبل “مشاريع المرشحين” او الاعلام او الجهات الاخرى، طيلة فترة الاستحقاقات الانتخابية.
في الايام الماضية بدأ “المال السياسي” يطل برأسه من شبابيك بعض “الراغبين” في الترشح، ثمة ملايين تدفع للحملات الانتخابية دون ان يعرف احد من اين جاءت وكيف ستصرف وثمة “مزادات” اقيمت لعرض البطاقات الانتخابية واستعراضها امام الكاميرات دون ان يسأل احد هل يجوز حجز بطاقات الناخبين بغير حق، وثمة كلام لا ينتهي عن شراء الاصوات وعن “قوائم” تضم “مرشحين” مدفوع لهم مقابل التسجيل في “ذيل” القائمة.
صحيح ان لدى الهيئة المستقلة تعليمات تسمح لها بانتزاع “الافصاح” عن تمويل الحملات من المرشحين، وتتيح لها –ايضا- ملاحقة من يخالف القانون، سواء بتهمة حجز البطاقات او شراء الاصوات او غيرها من التجاوزات التي نص عليها القانون والنظام، لكن لا يوجد لدى الهيئة “اذرع” خاصة لملاحقة هؤلاء واحالتهم للقضاء وبالتالي فان لديها المادة (5) فقط من القانون هذه التي تعطيها الحق بالاعتماد على “اذرع” الدولة التنفيذية للقيام بواجبها.. والسؤال الذي ما زال معلقا هنا: لماذا تغض هذه “الاذرع” طرفها عن المخالفات؟ مع انني سمعت من داخل الهيئة المستقبل بأنها طالبت الجهات الرسمية “بملاحقة” المخالفين واحالتهم للعدالة.
اخشى ما اخشاه ان نندفع بحجة “ارضاء” البعض للمشاركة في الانتخابات او خوفا من تهديداتهم “باحراق البطاقات” او تعمدا لاخراج “خارطة” المجلس القادم وفق مقاسات.. الى “السكوت” على التجاوزات التي يمارسها اشخاص لا اطراف رسمية هذه المرة، وكأننا نعتقد ان “نزاهة” الانتخابات متعلقة فقط بالرسمي لا بالشعبي، وبان الدولة تكفل عدم تدخل اجهزتها لكنها ليست مسؤولة عن تدخلات “الناس” وهذه بالطبع ادعاءات غير صحيحة، لان ضمان النزاهة يفترض ان يخضع لمنطق القانون الذي تفرضه الدولة على الجميع بلا استثناء.
ومع اننا لا نتوقع ان تأخذنا الانتخابات القادمة الى انفراج سياسي عام، في ضوء امتداد حالة “المقاطعة” وشيوع انطباعات اللاجدوى من المشاركة الا ان ذلك لا يمنعنا من الدفاع عن “هيبة” الدولة وضرورة حضورها في هذا الموسم الذي يشكل امتحانا لارادتها في ملاحقة “الفاسدين” الذين يريدون العودة مجددا من بوابة “الانتخابات” الى حياتنا العامة .. فهل سنرى هؤلاء قريبا امام العدالة؟ الاجابة –بالطبع- لدى الحكومة. " الدستور "