هل يخسر الإسلام السياسي معركة الديمقراطية؟

تم نشره الثلاثاء 11 كانون الأوّل / ديسمبر 2012 12:23 صباحاً
هل يخسر الإسلام السياسي معركة الديمقراطية؟
د.باسم الطويسي

 

 

تفرض تحولات مجتمعات الربيع العربي طابعا من الحيرة والريبة على احتمالات الأيام القادمة في ضوء ما يحدث اليوم في مصر من حالة استقطاب حادة وصلت إلى حد الاقتتال، وما يكمن تحت رماد السياسة في تونس أو حالة الانقسام المتوقعة في ليبيا، يزيد من تعقيد الموقف حول مستقبل الممارسة الديمقراطية في ظل نفوذ تيارات الإسلام السياسي، وقدرة هذه التيارات على استثمار هذه الفرصة في إجراء مصالحة تاريخية مع فكرة الدولة الديمقراطية المدنية.
التساؤلات الحرجة التي تطرح اليوم على خلفية الإيمان بحق تيارات الإسلام السياسي في الوصول إلى السلطة، بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، لا تبدأ من مدى قدرة هذه التيارات على دمقرطة سلوكها السياسي وتعلم السياسة، ولا تنتهي عند ما قد يفرضه هذا التيار من تغيير اجتماعي وثقافي قسري قد يضحي بالديمقراطية ذاتها، تحت مبرر القاعدة التراثية "دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة"، والتي استهلكت جل فعاليات هذه التيارات على مدى أكثر من نصف قرن، وهي المرحلة التي حضّرت فيها هذه التيارات خميرتها التاريخية.
اللغز فيما تفضي إليه هذه الحالة من غموض وعدم يقين حول المستقبل. فالمسار الطبيعي للتاريخ الإنساني في هذا الجزء من العالم يقول بأن هذه مرحلة لابد منها، وأن العرب بحاجة إلى مرحلة الانتقال من حالة الشعوب النيئة إلى حالة الشعوب الناضجة، والتي قد تحتاج إلى حالة من الطبخ على نار مستعرة ربما حتى نهاية القرن الراهن، سيشهدون فيها صراعات وحروبا أهلية وإقليمية ودولية وفتنا، وقس على ذلك من أحوال، حتى يدخلوا في عملية تاريخية جريئة ودقيقة تقود إلى إصلاح ديني حقيقي يعيد ميلاد المجتمع والدولة من جديد على أسس مدنية وديمقراطية. هذا المسار التاريخي الذي مر به الغرب مرت به جماعات ثقافية أخرى في جهات أخرى من العالم وهو ليس خبرة يحتكرها الغرب.
إن مصدر التهديد الأكثر خطورة يتمثل في التوترات الطائفية واحتمالات تحولها إلى عنف دام عابر للأديان وداخل الأديان نفسها، والتي تعمل ببطء وبشكل صادم على ضرب السلم الأهلي والتكامل السياسي والاندماج الاجتماعي في العمق. والخطر فيها هو بروز دور الحركات السلفية إلى واجهة الصراعات الطائفية؛ استمراراً لمسار معقد من التوترات الطائفية التي تشهدها بشكل عنيف مجموعة من المجتمعات العربية، وتعبر عن خبرة قاسية في إدارة الاندماج الاجتماعي.
لم توفق المجتمعات العربية، بكل مكوناتها السياسية والثقافية وفي مقدمتها تيارات الإسلام السياسي، في إنتاج "رأس مال اجتماعي" يحمي القيم المدنية المشتركة، ويمنع المواجهة بين المجتمع والدولة مهما تغيرت اتجاهات السلطة السياسية ومرجعيتها الفكرية، أي التوافق على القيم الكبرى التي تشكل الأرض الخصبة للإصلاح في القيم والمعاني والإرادة المشتركة.
المهم في هذا التطور أن هناك تضخيما سياسيا وإعلاميا لهذه الحالة في العالم العربي؛ ربما هذا التضخيم قادم من طبيعة جاذبية الربيع العربي في وسائل الإعلام، لكن علينا أن نتذكر أن حجم الصراع داخل فسيفساء الأديان والمذاهب في الشرق الأوسط لم يصل إلى مستوى الجرائم التاريخية التي ارتكبت على سبيل المثال على خلفيات دينية أو اثنية كما حدث قبل سنوات في روندا، في الوقت نفسه سيخسر الإسلام السياسي فرصة تاريخية إذا لم يتقدم هو نحو إصلاح ديني في سلوكه السياسي بحيث يستوعب الديمقراطية قبل أن تخرجه الديمقراطية من اللعبة السياسية بأكملها.

( الغد )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات