أبو مازن وأبو الوليد

محمود عباس (أبو مازن) وخالد مشعل (أبو الوليد) كلاهما هذه الأيام في مرمى النيران الإسرائيلية: الرئيس الفلسطيني طبعا بسبب انتصاره الأخير في الأمم المتحدة وحصول بلاده على صفة دولة مراقب غير عضو، ولكن كذلك أيضا بسبب ما وُصف بصمته عن كلام مشعل في غزة عن حق الفلسطينيين في أرضهم من البحر إلى النهر، أما رئيس المكتب السياسي لحركة 'حماس' فطبعا بسبب ما خرجت به المقاومة من مكاسب بعد العدوان الأخير على غزة ولكن كذلك أيضا بسبب الأجواء التي أشاعتها زيارته الأخيرة إلى القــطاع وتصريحاته خلالها. أما ما لم تفصح عنه إسرائيل صراحة فهو أن غيظها المتنامي من الرجلين مرده أساسا توجههما الجاد نحو إغلاق ملف حالة الانقسام.
بالنسبة لعباس وقع التركيز على أن ما قام به مؤخرا في الأمم المتحدة يعد 'إرهابا سياسيا' وأنه ليس فقط لا يختلف عن الزعيم الراحل ياسر عرفات وقد يلقى مصيره وإنما أيضا لا يختلف عن مشعل وحماس في محاولة إيذاء إسرائيل ولكن على طريقته الناعمة الماكرة. وفي هذا السياق جاء المشروع الاستيطاني الأخير في القدس الشرقية والذي أثار استياء عديد الدول الغربية، صدقا أو كذبا، نوعا من العقاب والمناكفة للرئيس الفلسطيني الذي أحسن صنعا عندما ألمح أول أمس في أنقرة إلى أنه سيرد بـ'وسائل أخرى' إذا ما مضت إسرائيل قدما في تنفيذه. كلام لا يمكن أن يفهم سوى أنه تهديد باللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية باعتبار الاستيطان جريمة حرب يمكن أن يلاحق مرتكبوها.
بالنسبة لمشعل المقاربة مختلفة، فإسرائيل التي فهم سماحها بدخول زعيم 'حماس' إلى قطاع غزة على أنه نوع من محاولة المراهنة على الشق المعتدل والبراغماتي في الحركة أصيبت بنوع من خيبة الأمل من تصريحات الرجل في غزة. كلامه هناك اعتبر كشفا لـ 'الوجه الحقيقي' لحماس 'التي ليس لديها نية للتسوية معنا' كما قال نتياهو. وقد تم تجاوز ما هو أبعد من خيبة الأمل بالدعوة صراحة لاغتيال مشعل على غرار ما أعلنه شاؤول موفاز رئيس حزب كاديما والمعارضة في بيان له وليس في تصريح غاضب أو زلة لسان. ومع ذلك، لم تنفض كل الدوائر الإسرائيلية يدها من مشعل بدليل إشارة البعض إلى احتمال قرب اليوم الذي قد تجد فيه إسرائيل نفسها تتفاوض معه ومع حركته وهو ما قد يعتبر حركة إخراج اللسان لإغاظة عباس أكثر منها شيئا آخر.
أكثر ما يقلق إسرائيل الآن هو اقتراب عباس ومشعل من المصالحة الحقيقية بين 'فتح' و'حماس'. لم تكن هذه المرة الأولى التي تبدو فيها المصالحة قريبة دون نتيجة ولكن ما يزعج إسرائيل هذه المرة أن الرجلين يقتربان منها وكل منهما لديه ما يفخر به ويفاخر: محمود عباس تجاوز عاصفة تصريحاته حول حق العودة التي جلبت عليه غضبا شديدا وبات اليوم في موقع أفضل بالمكسب الأخير في الأمم المتحدة والاستقبال الشعبي الكبير الذي لقيه في رام الله... أما خالد مشعل فتجاوز على ما يبدو قصة عدم ترشيح نفسه مرة أخرى على رأس 'حماس' ومرارة الاختلاف مع بعض إخوانه في غزة . لقد أصبح اليوم بعد ضربات المقاومة الأخيرة من غزة والاستقبال الشعبي الكبير الذي حظي به هناك في وضع أفضل للمضي مع عباس في ما سبق لهما أن اتفقا عليه دون منغصات ولا مزايدات.
هنا لم يجد نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه يعلون ما يعبر به عن سخطه من احتمال إنتهاء الانقسام الفلسطيني وتقارب زعيمي 'فتح' و'حماس' وكلاهما في وضع جيد سوى القول إنه لا يوجد فرق بين عباس ومشعل، فيما قال نتنياهو إن عباس يسعى إلى الوحدة مع 'حماس' المدعومة من إيران حتى يصور الجميع في اصطفاف واحد معاد لإسرائيل والأمريكان والغرب كله. ولهذا فإن أكثر ما يمكن أن يربك به أبو مازن وأبو الوليد إسرائيل الآن هو المسارعة فعلا إلى 'عفا الله عما سلف' دون تأخير لأن معطيات اليوم قد لا تكون معطيات الغد.
القدس العربي