نحو ترجمة حقيقية للرؤية الملكية لدور الشباب في عملية الإصلاح في البلاد
حمل خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الجامعة الأردنية الكثير من الرسائل إلى الشباب وإلى الجامعات والمسؤولين في الدولة الأردنية في مختلف مواقعهم، وهذه الرسائل بعضها يأتي تأكيداً على الرؤية الملكية السامية لدور وأهمية الشباب في المجتمع الأردني ولا سيما أن الشباب لهم مميزات وخصائص نوعية لا تتوافر في الشرائح الاجتماعية الأخرى، ذلك أن للشباب رؤيتهم وثقافتهم واهتماماتهم وأهدافهم وتطلعاتهم، وعادة ما ينظر إلى الشباب كطليعة في المجتمع الذي يعيش فيه باعتبارهم الأقدر على العمل والتغيير نحو الأفضل، لذلك فقد أولت الدولة الأردنية وكافة المسؤولين وعلى رأسهم جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الشباب الرعاية والاهتمام باعتبارهم رأسمال الدولة الأردنية ومحرك التنمية والتحديث في المجتمع، فهم فرسان التغيير شباب اليوم وقادة المستقبل، وبعضها حمل رؤية وأفكار جديدة تتعلق بالجامعات الأردنية والدور المنوط بها ومختلف مؤسسات الدولة ووظيفتها في هذه المرحلة الدقيقة من مسيرة البلاد.
وبناءً على ما سبق فإنه لا بد من استيعاب ما طرحه جلالة الملك عبدالله الثاني في خطابه في الجامعة الأردنية والعمل على ترجمته على أرض الواقع، وهذا يستلزم:
زيادة الدور التوعوي للجامعات في المسائل السياسية والأولويات الوطنية، بإقامة الندوات المتخصصة والمؤتمرات والمحاضرات العلمية في ضوء تراجع دور الجامعات في هذا المجال وضعف الثقافة السياسية لدى الطلبة. وهذا يحتاج إلى رفع الوصاية الأمنية عن الجامعات بحيث تصبح مؤسسات حرة للتعليم، تمارس فيها مختلف أنواع الحريات، فاستقلال الجامعات وضمان حريتها الأكاديمية والفكرية والإبداعية هو ضرورة لا غنى عنها من أجل أن تقوم الجامعات برسالتها على الوجه الأكمل. فالجامعات تؤدي دوراً بارزاً في حياة المجتمعات المعاصرة، فالجامعة هي مصنع قادة المستقبل، ومنبر حر للحوار والحرية وطرح الأفكار والارتقاء بسلوك الإنسان وقيمه، وتجديد المعرفة وتطويرها وابتكارها، ومصدر أساسيّ للموارد البشرية. وحتى وقت قريب كانت الجامعات الأردنية تقوم بالدور المنوط بها على أكمل وجه، وكانت قصة نجاح أردنية بامتياز جعلت الأردن يتربع على رأس قائمة دول المنطقة في التعليم الذي انعكس إيجاباً على قطاعات حيوية أخرى، كالصحة والصناعة والسياحة والزراعة والاقتصاد وغيرها، إلا أنه لظروف أحياناً اقتصادية وأحياناً لظروف سياسية تراجعت الجامعات وأصبحا أحياناُ بؤر للعنف الجامعي وتراجع مستوى مخرجاتها، وكانت النتيجة أن دفع المجتمع بأكمله الثمن، لأن الجامعات هي مرآة تعكس واقع المجتمع.
وحتى تستعيد الجامعات دورها لا بد من تشجيع الطلاب على الانخراط في الشؤون العامة للدولة من خلال العمل السياسي المنظم وإعطاء صورة إيجابية للطلبة حول ضرورة وأهمية المشاركة السياسية وتعزيز شعور الطلبة بمشاركتهم في صنع القرار وكذلك ضرورة قيام وسائل الإعلام المختلفة بتعريف الطلبة بالأحزاب السياسية في الأردن باعتبارها ضرورة من ضرورات الحياة الديمقراطية، فالأحزاب السياسية عماد الديمقراطية والعداء لها عداء مبطن للديمقراطية ولا بد في هذا الصدد من إتاحة المجال أمام الأحزاب السياسية للعمل في الجامعات، وذلك باللقاء بالطلبة لعرض برامج وأفكار هذه الأحزاب ومواقفها تجاه مختلف القضايا الوطنية والقومية والدولية، وهذا يستلزم التنسيق بين الجامعات وكافة الجهات ذات العلاقة، من أجل بناء الثقة بالأحزاب؛ لخلق جيل يؤمن بالعمل الحزبي والمبادئ الحزبية معاً.
وكذلك لا بد من استثمار مساق التربية الوطنية في الجامعات الأردنية في نشر ثقافة الديمقراطية والتنمية السياسية، وتأكيد مفاهيم وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة السياسية والمجتمع المدني، وقيم الحوار والرأي الآخر والتعددية.
وفي الختام فإن خطاب جلالة الملك جدد الثقة والأمل بالشباب فهم الحاملون لرسالة الأردن وهم الأغلبية السكانية وعليهم وواجب وطني ومسؤولية اجتماعية لحمل رسالة الأردن والعمل على تقدمه وازدهاره، ولما كانت عملية الإصلاح الشامل التي يقود مسيرتها جلالة الملك عبدالله الثاني تحتاج إلى إصلاحيين حقيقيين يحملوا لواءها ويعملوا على تنفيذها بإرادة وتصميم، فإن الآمال معقودة على الشباب وعلى كافة المسؤولين في الدولة والمجتمع لترجمة الرؤية الملكية السامية لدور الجميع وعلى رأسهم الشباب في تحقيق الإصلاح المنشود باعتباره الخيار الوحيد لمواجهة التحديات ونهضة البلاد والوصول إلى الأمن والاستقرار والحكم الرشيد وإرساء دعائم دولة القانون والمؤسسات وإقامة مجتمع العدالة والمساواة.