زيارة الملك عبدالله الثاني لدولة فلسطين ...... دلالات ومعان
المدينة نيوز - راجح ابو عصب : - تعد الزيارة التي قام بها العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني لدولة فلسطين الاسبوع الماضي زيارة تاريخية ؟ ذلك انها جاءت بعد حصول دولة فلسطين على عضوية الجمعية العمومية للامم المتحدة بصفة مراقب , فكان جلالته اول زعيم في العالم يزور فلسطين بعد انضمامها للامم المتحدة . ولا شك ان هذه الزيارة التاريخية تحمل دلالات ومعاني عظيمة . لعل اولها انها تجدد التأكيد على دعم الاردن الشقيق ملكا وحكومة وشعبا للشعب الفلسطيني رئيسا وحكومة وشعبا , وهذا الدعم الاردني الموصول انما هو ركن ثابت واساس وموقف استراتيجي للاسرة الهاشمية الكريمة , منذ مؤسس المملكة الاردنية الهاشمية المغفور له الملك الشهيد عبد الله الاول .
والاردن الشقيق هو اكثرالدول العربية دعما ومساندة وتأييدا للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة , وهذا الدعم ينسحب على المجالات كافة المادية والمعنوية .
ومن هنا تتأكد صدقية مقولة ان الشعبين الاردني والفلسطيني هما شقيقان , وان الاردن هو الرئة الثانية لفلسطين. وهذه العلاقة الثنائية المتميزة ارسى دعائمها ووطد اركانها الملك عبد الله الاول , الذي كانت عنده القدس أثيرة كما شقيقتها عمان . ولذا كان يحرص على اداء صلاة الجمعة في كل اسبوع في المسجد الاقصى المبارك , حتى سقط شهيداعلى ابواب هذا المسجد المبارك .
وسار العاهل الاردني الراحل الملك الحسين بن طلال على خطى جده الملك عبد الله الاول في الالتزام التاريخي للهاشميين بفلسطين عامة وبالقدس واماكنها المقدسة : الاسلامية والمسيحية خاصة . وكان يحرص .... رحمه الله وطيب ثراه – على زيارة القدس باستمرار , عندما كانت الضفة الغربية جزءا من المملكة الاردنية الهاشمية , وكان للمسجد الاقصى في نفسه منزلة سامية , حتى انه باع قصره الخاص في العاصمة البريطانية لندن , وانفق ثمنه على اعمار مسجد قبة الصخرة المشرفة , وقبيل حرب حزيران عام 1967 أمر ببناء قصر له في حي بيت حنينا ’ في الضاحية الشمالية للمدينة المقدسة , على تلة مرتفعة , لتكتحل عيناه برؤية المسجد الاقصى وكنيسة القيامة وسائر المقدسات المقدسية من خلال قصره في ذلك التل المرتفع , ولكن جاءت حرب السادس من حزيران ’ ولم يكتمل القصر , وما زالت اعمدته شامخة حتى الان تذكر بالعاهل الراحل الكبير وحبه العميق للقدس , ذلك الحب الذي شغف قلبه .
وحينما تسلم العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني قيادة المملكة الاردنية الهاشمية اثر انتقال والده الملك الحسين بن طلال الى الرفيق الاعلى , فانه ترسم خطى جده ووالده واقتفى اثارهما في التمسك بالالتزام الهاشمي نحو القدس ومقدساتها ونحو الشعب الفلسطيني . ولا زالت الحكومة الاردنية , رغم الضائقة المالية الشديدة التي تعيشها , ملتزمة اشد الالتزام بالانفاق على المسجد الاقصى ودائرة الاوقاف الاسلامية في القدس والمؤسسات التابعة لها وما زال موظفو هذه الدوائر يتلقون رواتبهم الشهرية من حكومة الاردن , وكذلك من تقاعد منهم .
ولا بد من الاشارة هنا الى علاقة الصداقة الحميمة بين الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين والعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني . حيث هناك اضافة الى الصداقة الشخصية بينهما , تنسيق تام بين الجانبين في كافة المجالات.
والرئيس عباس يحرص دائما على الالتقاء بالعاهل الاردني , عند كل زيارة له الى خارج دولة فلسطين , حيث يطلعه على اخر تطورات القضية الفلسطينية , كما يستمع الى ارائه النيرة في كل ما يتعلق بالاوضاع في المنطقة وفي فلسطين خاصة . وهذا يأتي في نطاق العلاقات التنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين .
والعاهل الاردني , بما له من مكانة رفيعة بين قادة وزعماء العالم , فانه يحمل القضية الفلسطينية اينما ارتحل وحيثما حل , فهو يعتبرها قضية الاردن الاولى , كما هي قضية العرب الاولى , وان كان بعض قادة عرب لم يعودوا يعتبرونها كذلك .
وهذا يظهر في احجامهم عن تقديم ما التزموا به من معونات مالية لدولة فلسطين , الامر الذي جعل القيادة الفلسطينية تعاني من ازمة مالية خانقة , جعلتها تجد صعوبة كبرى في القيام بالتزاماتها تجاه شعبها , وخاصة دفع رواتب موظفيها بانتظام مطلع كل شهر .
وقد اكد العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني , في البيان الذي اصدره ديوانه الملكي خلال زيارته التاريخية لفلسطين , دعم بلاده الكامل والمطلق ووقوفه الى جانب الشعب الفلسطيني , ومساندته له في سعيه لتحقيق تطلعاته في اقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على ترابه الوطني , كما جدد العاهل الاردني في تهانيه وتهاني الشعب الاردني للاشقاء الفلسطينيين وقيادتهم بالانجاز المتمثل بصدور قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة : منح فلسطين صفة دولة مراقب , ووصفه بالقرار التاريخي , الامر الذي يعكس مدى اهتمام المجتمع الدولي بالقضية الفلسطينية وبايجاد حل عادل ودائم لها استنادا الى حل الدولتين , الذي اصبح مطلبا دوليا وعربيا الى جانب كونه مطلبا وحقا فلسطينيا.
وفي ذات السياق فان القيادة الفلسطينية رحبت بهذه الزيارة التاريخية للعاهل الاردني , واشادت بالدور الكبير الذي بذله جلالته والاردن الشقيق على المستويين الدولي والاقليمي وفي الامم المتحدة , لتحقيق هذا الانجاز التاريخي للشعب الفلسطيني , المتمثل في قبول فلسطين عضوا في المنظمة الدولية بصفة مراقب , واكدت القيادة ان هذه الزيارة الملكية التي هي امتداد لمواقف جلالته الداعمة لحقوق شعبنا , ستؤدي الى ترسيخ وتمتين اواصر الاخوة القائمة بين شعبينا وبلدينا , وستسهم في تطوير علاقات التعاون المشترك بيننا على كافة المستويات .
ولا شك ان الشعب الفلسطيني , في كافة اتجاهاته ومختلف مشاربه , رحب ترحيبا حارا بهذه الزيارة الملكية الكريمة , حيث ان العاهل الاردني حرص شخصيا على مشاركة الشعب الفلسطيني افراحه بالانجاز الفلسطيني التاريخي في الامم المتحدة , وحرص جلالته , رغم مشاغله العديدة ورغم الاوضاع الخطيرة التي تعيشها منطقة الشرق الاوسط هذه الايام , على تهنئة الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني شخصيا , بالقدوم الى مدينة رام الله . وهذه مأثرة هاشمية من العاهل الاردني تضاف الى مآثر الهاشميين تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة .
وعرفانا بالمواقف النبيلة للعاهل الاردني وللشعب الاردني الشقيق تم تسليم جلالته قرار بلدية رام الله تسمية احد ميادين المدينة باسم جلالته , اشادة من الشعب الفلسطيني بالدور الذي قام به في نصرة فلسطين وقضيتها , وتعبيرا من الشعب الفلسطيني لجهود جلالته ودوره القيادي في المحافل الدولية من اجل فلسطين .
وقد اظهرت المحادثات بين الزعيمين الكبيرين الرئيس محمود عباس والملك عبدالله الثاني , الذي اجرياها في مقر الرئاسة بمدينة رام الله , التطابق التام بينهما في كافة القضايا التي تهم البلدين . فقد أكد الزعيمان رفضهما لسياسة الاستيطان , باعتبارها مرفوضة شرعيا ودوليا وعلى كافة المستويات العربية والعالمية , كما اعلن انه يجب التأكد من ان المرحلة القادمة ستؤدي الى مفاوضات تعالج قضايا الحل النهائي , في اطار زمني والبناء على ما تم الاتفاق عليه , خلال المفاوضات السابقة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي .
كما اكد الزعيمان العربيان الحق الفلسطيني بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة , التي لا خلاف عليها , وشددا على اهمية الاستعداد لايجاد الاجواء الممهدة لقيام هذه الدولة الفلسطينية , وفي ذات المباحثات فان الزعيمين بحثا افاق التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين الشقيقين .
ولا بد هنا من ايضاح نقطة غاية في الاهمية , وهي انه في الوقت الذي تقاطرت فيه الوفود العربية ووفد جامعة الدول العربية على قطاع غزة ، فان زيارة العاهل الاردني هذه جاءت الى رام الله تأكيدا للشرعية الفلسطينية , وحرصا من جلالته على وحدة الشعب الفلسطيني , باعتبار ان هذه الوحدة هي السبيل الوحيد لتحقيق اماني الشعب الفلسطيني وتطلعاته الى الحرية والاستقلال واقامة دولته المستقلة . وان كنا هنا لا نغفل المساعدات الاردنية الموصولة لاهلنا في قطاع غزة , المتمثلة في قوافل الخير التي تسيرها الحكومة الاردنية الشقيقة لدعم الاهل في القطاع , هذا عدا عن المستشفى الاردني الذي يقدم منذ سنوات عديدة خدمات جليلة لاهلنا في القطاع الحبيب .
ولا بد في النهاية من ان نؤكد ان العلاقات الفلسطينية – الاردنية علاقات تاريخية وثيقة ماضيا وحاضرا ومستقبلا , وهي نموذج يحتذى في العلاقات الاخوية العربية , ولا شك انها ستحقق مصالح الشعبين الشقيقين في التقدم والازدهار والمستقبل الافضل , والله الموفق . " القدس الفلسطينية "