من المسؤول عن الاستقطاب.. الإعلام أم السياسة؟

وصلت حالة الاستقطاب السياسي في مصر، بعد الإعلان الدستوري الأول الذي أصدره الرئيس محمد مرسي وقبيل بدء الاستفتاء على مشروع الدستور وبعده، مرحلة حرجة، وصفت بأنها حالة من الهستيريا السياسية والإعلامية على حد سواء. إذ ساهمت الأحداث في خلق حالة من الشد المتبادل بين كتلتين سياسيتين شبه متساويتين، هما التيارات والأحزاب الدينية، مقابل دعاة الدولة المدنية بألوانهم الليبرالية واليسارية والقومية.
يعد الاستقطاب السياسي سمة من سمات المراحل الانتقالية، ولا خوف منه إذا بقي في حدود طبيعة هذه المرحلة وأزماتها المتتابعة. ولكن، إذا ما طالت مرحلة الاستقطاب وأصبحت تنسحب على كافة المواقف السياسية والاجتماعية، فإنه حتماً يدخل في حالة من الجنون السياسي، والذي يدخل أي بلد مهما كان محصناً ديمقراطياً إلى حالة من الانقسام السياسي والاجتماعي. وربما تكون هذه الحالة أكثر خطورة في المنظور السياسي من الاستقطاب نفسه؛ فالانقسام يورث حالة سياسية شاذة قد تطول وتضرب عميقا في الثقافة السياسية وتنقلها الأجيال، وربما يتم تأطيرها قانونياً كما هو حادث في لبنان.
يمكن أن نفهم، وللوهلة الأولى، أن حالة الاستقطاب السياسي الحاد في مصر، والتي تشكل واجهة الإعلام هذه الأيام، هي في حدود المرحلة الانتقالية وشروطها؛ إذ إن ما تشهده مصر، ومجتمعات الربيع العربي، اليوم هو حالة من السيولة وإعادة التشكل السياسي-الثقافي، تزداد فيها سرعة ووتيرة التغيير، وتتزايد المطالب المتناقضة. والمشهد بمجمله يعود في جذوره إلى حالة الاستقطاب الثقافي التي كانت سائدة في مصر قبل ثورة جمال عبدالناصر. وما دامت الأطراف تتصارع داخل حدود الوطن، وعلى أرضية الشراكة في اللعبة الديمقراطية، يبقى الاستقطاب في حدود الظاهرة السياسية الطبيعية. إلا أن التحولات الأخيرة في نوع الاستقطاب وحجمه باتت تثير الريبة إذا ما أخذنا بوجهة نظر تزداد قوة، مفادها أن الانتهاء من الاستفتاء على الدستور لن يكون بداية نهاية الاستقطاب، بل بداية مرحلة جديدة من استعصاء الاستقطاب والمزيد من الفرز الاجتماعي.
احتل الإعلام خلال الأسابيع الماضية الواجهة الرئيسة لحالة الاستقطاب، ما استدعى السؤال عن مدى مساهمة الإعلام في صناعة الاستقطاب. الإجابة المباشرة تقول إن الإعلام المهني ليس طرفاً في أي صراع، بل مجرد شاهد ينقل الأحداث. فعملية نقل الأخبار وإحاطة العامة بالمعلومات حول ما يجري في المشهد السياسي العام، لا تحتمل أن تكون استقطابا. لكن غياب معايير واضحة للمهنية، وتحديداً معايير التوازن وإدارة التحيز في المراحل الانتقالية، يجعل الإعلام جسراً للانتقال من النقاش الوطني العام إلى حالة الاستقطاب الحاد. وعلينا مراجعة السلوك الإعلامي للفضائيات المصرية ذائعة الصيت، مثل فضائية "مصر 25"؛ حصن الأحزاب الدينية! مقابل فضائية "سي. بي. سي"؛ قلعة التيارات الليبرالية! حيث وصل الاستقطاب الحاد حد أن أصبح الإعلاميون جزءاً من المشهد السياسي وليس شهوداً عليه، وانقسموا واستُهدفوا أكثر من غيرهم.
علينا أن نلاحظ أن الإعلام الجديد، ومختلف التطبيقات الإعلامية على الإنترنت، وتحديداً الإعلام الاجتماعي، لديه قابلية لإدارة وتوليد الاستقطاب السياسي والاجتماعي أكثر من الوسائل التقليدية. ويصل الأمر إلى إدارة الاشتباك على مستوى القواعد الاجتماعية العريضة، ونقله إلى الشارع والساحات. فكما ساهمت هذه الأدوات في نقل أشواق الثوار وصرخاتهم من الفضاء الافتراضي إلى الميادين، فإنها قادرة على نقل الاستقطاب والاشتباك إلى الأرض.
( الغد )