إبراهيم لم يعد موجودا

تم نشره الجمعة 21st كانون الأوّل / ديسمبر 2012 06:42 مساءً
إبراهيم لم يعد موجودا
هادي جلو مرعي

يتحدثون عن الشعوب الحية القادرة على التأثير وتغيير مجرى الأحداث وصناعة التاريخ،وهل إن العراق صانع المجد الحضاري التليد واحد من تلك الشعوب، ولديه القدرة والرغبة على تحقيق منجز حضاري متقدم كلما واجهه إمتحان ما كالذي يمكن أن يواجهه كل شعب ،يتسلط عليه سلطان أو تأخذه عصابة من السياسيين الفاشلين الى هاوية لاقرار لها ؟

يظل أثر الحضارة المادي شاخصا،وقد يذهب مع الريح ،وربما يرمم في عهد لاحق تبعا لظروف سياسية وتحولات سلطانية كما كان يفعل بعض الزعماء من الدكتاتوريين حين يعمدون الى الأماكن الأثرية المتهاوية بفعل عوامل الزمن ويغيرون من شكلها ويقللون من قيمتها المعنوية والمادية ويدخلون عليها تصاميم وتشكيلات ليست منها  تخرجها في الغالب من دائرة الإهتمام العالمي كما حصل لحضارة وادي الرافدين التي شوهت بالكامل نتيجة تغييرات مبهمة في عهد النظام السابق، وكما في آثار مدينة بابل العظيمة حيث لم يتم التعاون مع اليونسكو في هذا المجال وكانت عمليات الترميم والتأهيل للمعابد والمدارج والحدائق والبوابات والطرق وسواها من بقايا الحضارة تتم على أيدي مايمكن وصفهم بالمقاولين أو كالذين رست عليهم مناقصات تأهيل شبكات الصرف الصحي بعد الإحتلال الأمريكي الذي جعل من بابل معسكرا لقواته حتى رحيله.

 قد نجد أثر الحضارة في العمران وفي البوادي والحفر العميقة وفي بقايا معابد ومسارح وبيوت ولقى أثرية كالأختام والأوان والمصوغات الذهبية والتوابيت الملكية والمقابر الخاصة ،لكن هذا لاينعكس بالضرورة على الناس الذين قد يكونوا من أخلاف حضارة لم تنشأ على هذه الأرض فلايمكن تصور نوع من التأثير الحضاري على مواطن جاء من اليمن قبل خمسمائة عام ،بينما معظم حضارات العراق إنما إزدهرت قبل ثمانية آلاف عام ،وبعضها في فترات زمنية متفاوتة بعد هذا التاريخ وهي بذلك لاتؤثر في هذا المواطن الذي بنى أسلافه سد مأرب مثلا ،وحين جاء أجداده الى العراق تأثروا بالحضارة الجديدة ،فلاهم نقلوا تجارب حضارتهم القديمة، ولاهم تأثروا أو إستفادوا من طبائع وصنائع الحضارة الجديدة، فيصير المثل الشهير( بين حانة ومانة ضاعت لحانا) منطبقا بالفعل على حالهم المنكود.

ولأنهم أخلاف حضارات من شتى الأنحاء فهم غير قادرين على وضع خارطة طريق تقيهم التيه الذي هم عليه الآن، وأقصد العراقيين الذين سألني مصور في قناة فضائية عن سبب غياب الموقف الموحد لديهم تجاه القضايا العامة؟ وعدا عن ذلك فهم بالإضافة لحالهم الماضي وماورثوه وجدوا إنهم الآن في خضم إنتماءات مذهبية وقومية لاتتيح لهم حرية الإختيار دون ضغوط عاطفية أو سياسية أو  ترهيبية من هذا الطرف أو ذاك بل إنهم توزعوا داخل القومية الواحدة وداخل الطائفة الواحدة وإختلفوا على قضايا عديدة لاحصر لها أخذتهم وبلادهم الى طريق غير واضح المعالم ،وربما أدى بهم الى تهلكة ما.

ملاحظة أخيرة.العراقيون توزعوا كطيور إبراهيم، لكن الفرق إن تلك الطيور وجدت من يعيد الحياة إليها ويصرها إليه ،ولكن من يصر العراقيين ويجمعهم ؟فليس من إبراهيم.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات