تخلف الوعي ووعي التخلف !!

تم نشره الأحد 23rd كانون الأوّل / ديسمبر 2012 12:32 صباحاً
تخلف الوعي ووعي التخلف !!
خيري منصور

بمقدور اي مريض جاهل ان يخدع كل اطباء العالم بدءا من ابو قراط، خصوصا اذا امتنع عن اي فحص، لكنه في النهاية يدفع وحده ثمن الكذب وخداع الذات، وهذا بالضبط ما يحدث لمجتمعات تعاني من شتى صنوف الامراض والانيميات لكنها تثرثر عن عافيتها وحيويتها علنا وتتألم حتى الانتحار سرا، وان كان هناك نقيض لتخلف الوعي، فهو وعي هذا التخلف اي البدء باستشعاره ومن ثم محاولة الحدّ من تفاقمه سواء بالنقد الذاتي او بالتشخيص الدقيق، او كليهما.

وعي التخلف ظاهرة صحية وحيوية، ومعناه ان المريض بدأ يشعر بالالم ويحدد مكانه ويتعاطى العلاج اللازم للشفاء، اما تخلف الوعي فهو توغل في المزيد من الظلام والمكابرة وانكار الالم، واكثر من ذلك هناك من ضحايا التخلف ومحاصيل شقائه من يزهون بجهلهم وتأخذهم العزة بالاثم حتى الهلاك، فالتخلف بحد ذاته ليس عارا، خصوصا اذا كان له اسباب تاريخية مزمنة كالاستعمار والتجهيل المبرمج وظلم ذوي القربى، لكن العار هو في التغاضي عنه والتواطؤ عليه، تماما كمن يخفي جرحا في جسده بلا تضميد لانه يخجل من سببه، ثم يتعفن الجرح ويسمم الجسد كله.

ولا ندري من اين تحصل بعض الشعوب الاكثر تخلفا على هذه الثقة المبالغ بها بالذات ثم تستمرئ رائحتها التي لا تطاق، لكنها أدمنتها ولا تعرف سواها، حتى باتت بيئتها الدائمة والبديلة.

واذكر انني شاركت قبل اعوام بندوة عن تخلف الوعي في احدى العواصم العربية. لاكتشف بعد دقائق من الافتتاح تخلف وعي من اقاموها، فالمرأة غائبة. والسياسة محظورة وكذلك اي تفكير فلسفي حول علاقة الانسان بالدين والكون.

هكذا وجد الظامئ الذي يطلب ماء من يقدم له حفنة من الملح، فالتخلف يحول الحامي الى حرامي ويعاقب الذكي والامين بقدر ما يكافئ الاحمق واللص. لان منظومة المعايير والقيم كلها تنقلب رأسا على عقب، وليس صحيحا على الاطلاق ان من يصاب قومه بالجنون من النهر عليه ان يشرب منه كي لا يشعر بالغربة والامثال والمواعظ السلبية من هذا الطراز افرزتها عصور الانحطاط والتبعية والقطعنة.

ان صراعنا كعرب الان يبدأ من هذا الاشتباك بين تخلف الوعي ووعي التخلف. لكن المرضى الذين يستمدون العافية من مقارنة انفسهم بالموتى هم كائنات في طور الاحتضار لكنها لا تعلم. وان علمت فان الاوان يكون قد فات.

والنخب على اختلاف طبعاتها الشعبية والرسمية تعاني على ما يبدو من الفيروس ذاته، فلا تفرق في معظمها بين تخلف الوعي ووعي التخلف وبين احتراف نقد الاخرين وتبرئة الذات المعصومة وبين نقد الذات الحيوي العلاجي بامتياز.

ان كل كتابة او مقاربة لتخلف الوعي ان لم تبدأ من اول السطر وهو وعي التخلف لا بد ان تنتهي الى ما بدأت به. لانها ستكون عندئذ ضحية جهل مركب، وهو جهل بالذات اولا ثم جهل بالاخرين.

ولا اظن ان اطباء العالم بدءا من ابو قراط ومن اقسموا باسمه يتحملون اية مسؤولية ازاء المرضى الكذابين الذين يخفون ألمهم بمكابرة، او يضمدون جراحا يخجلون منها بلا تعقيم وتطهير.

واذا استمر المرضى في الكذب على انفسهم والاخرين فان كل ما يكتب عن التخلف ومحاولات علاجه هو حراثة في البحر!!

( الدستور )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات