غازي السعدي يكتب : أوروبا ... فلسطين ... إسرائيل والاستيطان
المدينة نيوز - خاص - كتب غازي السعدي - : أثارت الهجمة الاستيطانية الشعواء وقرار بناء (11) ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية، وفي الضفة الغربية، حفيظة المجموعة الأوروبية، بل والعالم بأسره، باستثناء الولايات المتحدة التي تتبنى وتدعم المواقف الإسرائيلية، وكان هذا الشغل الشاغل للسياسيين ووسائل الإعلام المحلية والدولية، حتى أن المجموعة الأوروبية طالبت إسرائيل ولأول مرة بدفع الثمن عن سياستها الهوجاء في الضفة الغربية المحتلة، فإسرائيل أصبحت تواجه عزلة وواقع جديد لم تتعرض له من قبل، لكن المطلوب من أوروبا ترجمة مواقفها إلى إجراءات عملية، وعدم الاكتفاء بالتصريحات والبيانات، فهي تستورد نحو 70% من الصادرات الإسرائيلية، وتريد مقاطعة استيراد ما ينتج في مستوطنات الضفة الغربية، عن طريق وضع علامات تميز بين إنتاج المستوطنات، وإنتاج الداخل الإسرائيلي، لكن العجيب وحسب البيانات والمعطيات أن ما تستورده أوروبا من إنتاج المستوطنات يفوق حجم استيرادها من داخل إسرائيل، وإذا كانت أوروبا جادة في موقفها من البناء الاستيطاني، ودعم الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، فإن المفاتيح بيدها، عبر وقف استيراداتها من إسرائيل، لإرغامها على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، فالإدانة الأوروبية وحدها رغم أهميتها غير كافية، طالما تعتبر أوروبا أن الاستيطان يتعارض مع القانون الدولي، فإن المطلوب من أوروبا إعادة النظر بعلاقتها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل، وعدم الاكتفاء بالاستنكار الخجول، فوقاحة إسرائيل في ردها على المجتمع الدولي المعارض لسياستها الاستيطانية، جاءت عبر تصريحات "نتنياهو" المتعجرفة بأنه سيواصل البناء الاستيطاني، للحفاظ على المصالح الأمنية والوطنية لإسرائيل، والتي لا حدود لها.
الولايات المتحدة، التي كانت الوحيدة في مجلس الأمن بين أعضائه الخمسة عشر، التي هددت باستعمال حق "الفيتو" إذا اتخذ المجلس قرارا ضد إسرائيل، لإلزامها بوقف مخططاتها الاستيطانية، كشفت مرة أخرى عن حقيقة دفاعها وحمايتها لإسرائيل، هذه المواقف التي تتعارض مع القانون الدولي، فتعبير الولايات المتحدة عن غضبها من الحملة الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة، لا يعدو النفاق، وأن دعوتها لإسرائيل والفلسطينيين بعدم القيام بخطوات أحادية الجانب، ساوت بذلك بين المعتدي والمعتدى عليه، كما أن دعوة "نتنياهو" الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات من أجل السلام، ما هي إلا كذب وخداع سبق أن جرب، ومن يعتقد بأن إسرائيل تسعى إلى السلام فإنه واهم.
"نتنياهو" اعترف بأن أمام إسرائيل فترة صعبة، خاصة بعد قرار الأمم المتحدة الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب، أما القرار الإسرائيلي في فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها من خلال البناء في منطقة "E1" لربط القدس بمستوطنة "معاليه أدوميم"، التي أقيمت على أراضي الخان الأحمر، ولزيادة الكذب والخداع، ولتبرير قرارات إسرائيل الاستيطانية، فإن "نتنياهو" يحمل الفلسطينيين المسؤولية لرفضهم الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، وعدم تلبيتهم الدعوة لاستئناف المفاوضات، ويضيف: بأن النزاع ليس على الأرض، وإنما الفلسطينيون يرفضون القبول بدولة إسرائيل، والنزاع ليس على الاستيطان وليس على الحدود، بل أن جذور النزاع هو أن الفلسطينيين لا يعترفون بحق الوجود للشعب اليهودي، فهل بحجة هذه الادعاءات يجري سلب الفلسطينيين أراضيهم؟ ويأمر بإقامة آلاف الوحدات السكنية؟ ويدعي بكل صلف أن الفلسطينيين لا يعترفون بإسرائيل، ولا يريدون السلام؟ وماذا بشأن الاعتراف المتبادل بين الفلسطينيين وإسرائيل عام 1993 الخطي وبتوقيع الطرفين إذ أن الاعتراف حاصل.
"نتنياهو" وبوقاحته المعهودة، يوجه الانتقادات للعالم، ويدعي بأن المستوطنات ليست عائقاً أمام السلام، وأنه لا يفهم كيف يعرقل مشروع توسيع المستوطنات عملية السلام، إذن ما الذي يعرقل السلام إذا لم يكن الاستيطان والممارسات الإسرائيلية؟ حتى وصلت الوقاحة به أن يقول أن قرارات الأمم المتحدة حول الاستيطان والدولة الفلسطينية لا تهمه، فـ "نتنياهو" من خلال قراراته الاستيطانية يريد تدمير كل أمل لإقامة الدولة الفلسطينية، وفي تحقيق السلام العادل، و"نتنياهو" الذي يهاجم الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" لعدم رده على خطاب "خالد مشعل" في غزة، الذي قال بأن فلسطين من النهر إلى البحر، لكن "نتنياهو" لم يستنكر ويعترض على أقوال عدد من وزرائه، ومن قادة الأحزاب الإسرائيلية، الذين يدعون إلى ضم الضفة الغربية لإسرائيل، وينادون بدولة إسرائيل من البحر إلى النهر، ولنسأل "نتنياهو": لماذا يتضمن برنامج حزبه السياسي، أن إسرائيل تعتبر مصطلح أرض إسرائيل يشمل أراضي فلسطين الانتدابية، أي من النهر إلى البحر، وأقواله بأن ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية من استيطان وغيره، تقوم به في أرضها، كما هو الحال في تل-أبيب وغيرها من المدن الإسرائيلية، فهذا هو الضم الذي ينفذ، وغيره من جانب واحد هو الجانب الإسرائيلي.
في تقرير للتلفزيون الإسرائيلي باللغة العبرية 8-12-2012، اتهم "نتنياهو" الرئيس الفلسطيني بقيامه بخطوات خطيرة جداً ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، وأن إسرائيل تشعر بمرارة كبيرة وكذلك الولايات المتحدة، عقب حصول فلسطين على صفة دولة مراقب، و"نتنياهو" يحرض ويشن هجوماً على الرئيس الفلسطيني، والتهديد بقتل "خالد مشعل"، ويتهم "عباس" باتخاذ قرارات أحادية الجانب، وأنه يريد إنشاء دولة إرهاب في الضفة الغربية، لتستطيع إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، والسؤال: هل هناك قرار دولي يجعل القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل؟ أم أن إسرائيل هي التي ضمتها عنوة من جانب واحد؟ وهل القرارات الإسرائيلية بمصادرة الأراضي، وإقامة المستوطنات، وهدم منازل الفلسطينيين، ليست بقرارات أحادية الجانب، تتعارض مع قرارات الشرعية والقانون الدولي؟ فإسرائيل بدأت بحملة دولية، ضد الشعب الفلسطيني، ممثلاً بالرئيس "محمود عباس"، بزعم تحالفه مع رئيس المكتب السياسي لحماس "خالد مشعل"، ونشر الأفكار الإسلامية المتطرفة، لإبادة إسرائيل ومحوها عن الخارطة، وأن الخارجية الإسرائيلية تقوم بهذه الحملة ضد "عباس" في أوروبا، بنشر الإعلانات في كبريات الصحف الأوروبية، وتصوير "عباس" بأنه شريك لـ "مشعل"، لكن جهات مهنية في الخارجية الإسرائيلية أوصت بالامتناع عن القيام بهذه الحملة، وعدم العمل بهذه الطريقة، التي ترتد عليها وصحيفة "يديعوت 11-12-2012" كتبت بأن الأوروبيين لن يشتروا هذه البضاعة التحريضية، فإسرائيل أخذت تشن الحملات على الرئيس الفلسطيني، منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة، وتنعته بكافة النعوت، هل تعرفون لماذا: لأنه معتدل وواقعي وإيجابي بنظر العالم، وهذا يشكل خطراً وهزيمة للسياسة الإسرائيلية وعزلها.
المحلل السياسي للإذاعة العبرية "تشيكو منشه" في تعليقه بتاريخ "19-12-2012"، قال بأن واشنطن تشكك في نوايا القيادة الإسرائيلية لتحقيق السلام، رغم علاقتها المتينة مع إسرائيل، ورئيس جهاز "الشاباك" السابق والمرشح لعضوية الكنيست "يعقوب بيري"، ينتقد المخططات الاستيطانية ويقول: إنه يقضي على حل الدولتين، وأن السياسة الإسرائيلية تدفع بانتفاضة ثالثة، إذ أنها تقدم للفلسطينيين المحفزات والمبررات لإشعالها من جديد، و"نتنياهو" متمسك بإبقاء الوضع على حاله، وهذا هو شعاره، فالإسرائيليون أدمنوا هذا الوضع، وأن معركة الرأي العام هزيمة لإسرائيل، وانتصار للفلسطينيين مع أن هناك محاولة إسرائيلية لتبرير هجمتها الاستيطانية لأسباب انتخابية لا أكثر، لتهدئة الرأي العام الدولي، فالوضع في الأراضي المحتلة على وشك الانفجار، وكما قال "أبو مازن" على إسرائيل الاختيار: السلام أم الاستيطان والاحتلال؟ وبعد هذا يتباكون: لماذا يقف العالم ضدنا.