سبارتاكوس وزيراً للعمل

تقوم استمرارية العمل في المناطق المؤهلة على تقليص كلفة اليد العاملة، ولما كانت الصناعات النسيجية هي المسيطرة في هذه المناطق وهي من الصناعات كثيفة العمالة، فإن عنصر الأجور يكتسب حساسية عالية، وهي متدنية بشكل مخجل. وفي كل المرات التي كان يبحث فيها الحد الأدنى للأجور كانت المناطق المؤهلة تستثنى، وفي بعض الحالات كان يجري التحايل على الرقم، مثل أن يحسب بدل الطعام والنقل ضمن الأجر، أو أن تتكفل الحكومة بدفع الفرق بين الحد الأدنى وبين الأجر الذي تقرره الشركة.
التفاصيل التي يعرفها ويعيشها العمال في هذه المناطق محزنة، وأكثر حزناً منها تفاصيل أخرى تتعلق بطرق وآليات استقدام عمالة أجنبية حيث يتفنن المتاجرون بالأيدي العاملة في طرق استغلال هؤلاء العمال عبر الحدود.
في السنوات الأخيرة انتشر في أدبيات التنمية مصطلح "العبودية المعاصرة"، ومن المؤسف أن اسم الأردن يرد في بعض الدراسات والتقارير التي تتناول هذه الظاهرة، ولكن المؤسف أكثر ان المصطلح يتكرر داخلياً، وقد دهشت قبل عدة أشهر عندما شهدت حواراً مطولاً بين مدير عام إحدى الشركات الأمريكية العاملة في قطاع النسيج في الأردن وبين مئات من العاملات والعمال الذين كانوا يطالبون برفع أجورهم، وقد مر مفهوم "العبودية المعاصرة" عدة مرات على لسان العمال من دون أي اعتراض أو تعديل من طرف المدير العام الذي اكتفى بمناقشة حيثيات تلك العبودية، بل إنه قال للعمال أن عليهم أن يشكروا المستثمر الأمريكي (السيد) قبل أن يفتتح مصنعه في منطقتهم.
مناسبة الكلام هنا ان وزير العمل قال منذ أيام أن هناك توجهاً لرفع أجور العاملين في المناطق المؤهلة الى 250 ديناراً، وهذا الرقم على ضآلته إلا انه يشكل حلماً لأن الشركات لا تلتزم بالحد الأدنى البالغ 190 ديناراً.
لم يفصح الوزير عن صاحب التوجه، وفي حالة كان الأمر جدياً، ونظراً لحجم المقاومة المتوقع والممارس فعلياً، فإننا على الأغلب بحاجة الى سبارتاكوس معاصر.
( العرب اليوم )