فلسطين لفصيل واحد لا لفصيلين !!
كلما تزاحمت الأحداث الفلسطينية لصالح الشعب الفلسطيني كلما اعتقدنا بأن المصالحة الفلسطينية باتت قاب قوسين أو أدنى ، وكلما تفرقت تلك الأحداث كلما اعتقدنا بأن المصالحة في مهب الرياح ، وان تلك الرياح سترسي حيث رست ، والله أعلم كيف سترسي وبأي حال سترسي بعيدا عن التفاؤل السياسي ...
واليوم وبعد توفر مناخ جديد وجيد للمصالحة بفعل ضغط المرحلة كما كنا نقول من قبل ، فربما لن يعود هذا المناخ خاصة بعد توفر مقومات نوعية ومفصلية تجعلنا أكثر قربا في إمكانية تحقيق المصالحة ... حيث الانتصار العسكري للمقاومة في غزة باعتراف جميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني ، والانتصار السياسي في الضفة الغربية من خلال اعتراف العالم بدولة فلسطين بصفة مراقب وبتأييد من جميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني أيضا ، وبعد إفراج حكومتي غزة ورام الله عن عدد من المعتقلين ، وبعد موافقة فتح على رفع الحذر عن كثير من مؤسسات حماس المغلقة في الضفة الغربية ، والسماح بعودة العشرات من كوادر فتح إلى غزة ، وموافقة كل من حركتي فتح وحماس على الاحتفال بانطلاقة كل منهما بتنسيق وتفاهم كبيرين ، بل مشاركة كل طرف للآخر تلك الاحتفالات ، وزيارة قيادات فتحاوية بارزة إلى غزة ، ووقف التراشق الإعلامي الذي ساد الموقف قبل ذلك ... صحيح أن الأمور ليست وردية ، وأنه لا يمكن ومن خلال عصا سحرية أن تتحول المصالحة إلى كن فيكون ، ولكن يجب عدم التقليل من أهمية الخطوات السابقة في الدفع نحو خطوات أخرى جديدة تقربنا أكثر نحو تحقيق الهدف الكبير المتمثل في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية ... ومن هنا فإننا نأمل أن تلتزم الأقلام بتهيئة مزيد من المناخات التي تصب في هذا الاتجاه ، وعدم التشويش من هنا أو هناك ، وذلك انطلاقا من روح المحافظة على المصلحة الوطنية العليا ، وإدراكا لحجم معاناة شعبنا بسبب الانقسام ... كما ينبغي أن ندرك جميعا بأن كل شيء محتمل ... ، لذلك ينبغي أن نكون على قدر كبير من الوعي والمسئولية ، فأعداء المصالحة من داخل الصف الفلسطيني كثيرون هنا أو هناك ... نعلم بأن هناك من لا يرغب في تحقيق المصالحة من منطلق عدم الثقة ، أو خوفا على حياته ، أو حرصا على انجازاته وامتيازاته الفردية التي نجح في تحقيقها ... فإن لم تؤدِّ هذه الأجواء الجميلة إلى تحقيق المصالحة ، ومن ثم التوافق على رؤية إستراتيجية ومرجعية واحدة ، فحينئذ ستكون فلسطين لفصيل واحد لا لفصيلين لا سمح الله ، ولم ولن تتسع لأكثر من فصيل واحد ، خاصة أن المناخ السياسي بكل عوامل التحدي التي تعصف به الآن لا يسمح بحل السلطة الفلسطينية ، بمعنى انه لا يسمح بفراغ سياسي على ساحة الفعل الفلسطيني ... وعلى الجميع أن يدرك أبعاد ومعاني ذلك بعيدا عن تسطيح الأمور ، فالتحديات جسيمة قد تسرق المواقف والأفكار من خلال تحولات كبرى ، ربما تكون أكبر من إمكانيات هذا الفصيل أو ذاك ، ولا أقصد هنا بالتحديات المتعلقة بالاحتلال فقط ...
يجب أن تتحلى كل الفصائل الفلسطينية خاصة الفصيلين الأكبرين على الساحة ( فتح وحماس ) بمزيد من روح المسئولية الوطنية والتاريخية والأخلاقية ، و يجب أن يعمل الجميع منهم فورا على إنهاء الانقسام بكل نتائجه وإفرازاته ، فالتاريخ يعلمنا كيف تكون نتيجة الاسترخاء وعدم المبالاة ، وثغرات المفاجآت كثيرة وأكبر من توقعاتنا وحساباتنا ، وعندئذ لا ينفع الندم ، وربما لا يتعلق الأمر بالندم فقط ، بل بزوال نهج وأفول رؤية ، الأمر الذي يعني خسارة عظمى في التاريخ النضالي وفي الرصيد الجماهيري من بعد خسارة الرصيد السياسي ، ربما لا يرفع أصحاب ذلك النهج رؤوسهم بعد ذلك أبدا ، فالسنوات القليلة القادة ستشهد مفاجآت كبيرة...