سائق دولة الرئيس
راودني في العام المنصرم وتحديداً في ليلة الحادي والثلاثين من كانون الثاني حلم أسأل الله أن لا يتكرر لكي لا يطبق عليه قانون المضبوطات ونشر الغسيل لأنه بإختصار يتعلق بالكبار في وطني .
حلمي يا سادة يا كرام بأنني تحولت من إنسان بسيط وبوظيفة بسيطة إلى وظيفة يحلم بها الكثيرين "السائق الخاص لدولة الرئيس !!! وليست أية وظيفة ،التفاصيل طويلة ولكن سأختصر قدر ما أستطيع .
ذات ليلة من ليالي كانون الباردة و فجأة ودون سابق إنذار رن جرس المنزل ، فتحت الباب فوجدت مجموعة من الرجال يرتدون بدلات سوداء فاخرة، أبتسم أحدهم وسألني ..أنت أبو عون ؟ قلت نعم ماذ تريدون ؟ فأجاب نريد أن ترافقنا الأن دون أسئلة .
بدأ جسمي ينمنم والعرق يتصبب مني ، وسألت نفسي ماذا فعلت ، أهي مقالة ما ؟ أم تقرير لواحد قليل ذمة من أبو الخمسة دنانير أوصلني للحلقة الأخيرة وجاب آخرتي ، المهم وبدون تفكير ركضت مسرعاً للداخل ولبست ما وجدته معلقاً بغض النظر عن اللون والحجم والجنس ووصيت عون أن يحرص على البيت بغيابي وخرجت لمرافقة الرجال ذوي البدلات السوداء، وقفت أمامهم بانتظار أن يشحطوني شحط ولكنهم عاملوني باحترام وركبت في سيارة نوع " مرسيدس إشي سي ما بعرف كم "، وانطلقنا مسرعين لوجهة غير معلومة ، وبعد وصولنا أكتشفت أنني في الرئاسة .
أوصلوني لأحد المكاتب وتركوني وحيداً لنصف ساعة ، بعدها جاء رجل مبتسم صافحني وجلس أمامي ، وبدأ حديثه بشلونك أبو عون ...كيف الحال ...شو أخبار عون الأمور ...وقرية سالم ... والختيارة أم عقلة وجدت عروس لأبنها عقلة ..حتى أعتقدت وهو يسأل أنه ساكن عندنا بالقرية .
المهم وبعد أن أجبته صمت لبرهة من الوقت ومن ثم سألني سؤال غريب !!! شو أخبار سيارة "الكيا" ؟
استغربت السؤال ، شو دخلوا بسيارتي ، احترت بالإجابة وفكرت قليلاً وأعتقدت أن الحكومة بدها تهديني سيارة جديدة فقلت : الحمدلله يا دوب ماشية .
ضحك الرجل وقال شو رأيك تركب أحسن منها ، عندها فتحت فمي على مصراعيه وتدلى لساني وقلت (ها) أحسن من الكيا !!! أكيد أه موافق بغض النظر عن التفاصيل والأسباب ، وبدأت بكيل المديح له وللحكومة ورئيسها ووزرائها وأدعي لهم بطولة العمر على الكراسي ، ضحك صاحبنا مرة أخرى وقال لا يروح فكرك لبعيد صح راح تركب غير الكيا بس مش إلك للحكومة بس أنت السائق ، الحكومة معجبة بقيادتك للكيا وانضباطك وبدنا تشتغل سائق خاص لدولة الرئيس، هذا واجب وطني وما في مجال تعتذر ودولته راح يكرمك كثير .... يا وجعي ..فجأة تحولت للسائق الأكثر مثالية في هالبلد ودولته حاط عينه علي أسوق معه .. البين على حظي .
ها شو رأيك موافق ؟ يلا أبو عون إنزل تحت إستلم السيارة الأن .
بدون مقدمات وخوفاً من العواقب نزلت وتحولت من مواطن عادي إلى "سائق لدولة الرئيس" ولا مجال للاعتذار ، توجهت مسرعاً للساحة الأمامية لدار رئاسة الوزراء وأستلمت سيارة فخمة لونها أسود ما أن فتحت الباب حتى أعتقدت أنني في غرفة 3/3 مفروشة بشكل فاخر ، ركبت وبدأت أتأمل المنظر من حولي حتى غفوت ، وما هي إلا لحظات حتى طرق شخص ما النافذة بيده ففتحت عيناي وإذا به دولته ..بيحكي إفتح الباب يا إبني ...
فتحت لدولته فركب وقال لي شو من أولها نايم مثل إلي قبلك ؟ خليك مصحصح يا أبني ، إتحرك بسرعة .
مضى اليوم الأول والثاني والثالث والرابع حتى عرف الجميع أنني صرت سائق دولة الرئيس، عندها بدأت أحس أنني شخص مهم جداً ، هلا أبو عون ...إتفضل هون صدر البيت إلك ..أعطينا يوم يا زلمة ....علي الطلاق غير إنت كبير الجاهة ...ومن هالخرط .
كثرت المطالب وامتلأت جيوبي بالإستدعاءات ، وبدأ كلا صاحب حاجة يبحث عن بيتي وهاتفي لا يهدأ ، حتى في بيتي مطالب كثرت المطالب ... إحكي لدولته عن إبن عمة خالة جدة عون علشان يتعين بالداخلية ، الحجة بدها يوسع عيادة القرية ويأمر بدكتور جديد ، صاحب البقالة يريد تخفيض الضرائب على السلع ، أم عقلة تتأمل أن يخفض دولته سعر جرة الغاز والكهرباء والمياه ... وووو الباقي عندكم .
يا الله ما أكثر هموم الناس وحاجاتهم التي حملتها لدولته ، وفي أول فرصة ونحن في طريقنا للرئاسة ودولته رايق ومبسوط ، تجرأت وقلت دولتك إلى عندك طلب ، إبتسم .. وقال إبشر شو بدك ، ترددت ولكنه زجرني وحلف يمين طلاق بأن أحكي إنت شاب محترم وتستاهل كل خير، فقلت سيدي بدك تتحملني ، فضحك وقال أن إلي أتحمل مسؤولية ستة ملايين مواطن بدي أعجز عن تحملك أنت إحكي وخلصني.
عندها تجرأت وقلت له أن مطلبي يتعلق بالستة ملايين مواطن ، صمت دولته فجأة !! فاستغليت الفرصة وبدأت بسرد المطالب وأنا مغمض عيناي، تخفيض أسعار كذا مئة شغلة ، وتوظيف كذا خمسين واحد ، وحل كذا قضية فساد ، وكذا وكذا حتى صرخ دولته بصوت عال ...كذا من كذا لكذا !!!؟؟؟ عندها أحسست بالدماء تغلي في جسدي وعيوني تقدح شرار ..فشحطت بريك قوي (ظل دولته متماسك وما خبط بالزجاج الأمامي لأنه ملتزم بوضع حزام الأمان )، وقلت شو بتحكي ؟؟؟ الشعب .......
عندها أحسست ببرودة غريبة على وجهي ، وإذا به عون يسكب ماءاً بارداً على وجهي تجمد معه حلمي عند هذه اللحظة ...سامحك الله يا عون فقط كنت على وشك فش غل الشعب وحل جزء من مشاكله.