ضرب المصالح التركية
يجتذب العراق عبر أزمنة مرت ،وفي زمننا الحالي قوتان إقليميتان كان لهما دور في التأثير الحضاري في مجال الثقافة والعمران والسلوك الإجتماعي ،مايبدو ظاهرا في أشكال حياتية متعددة تعودها الناس ،ولم يعودوا يستهجنونها ،وحتى في إستخدامات اللغة والموسيقى.فإيران كانت لها عاصمة شتوية هي المدائن جنوب بغداد، ومايزال إيوان كسرى قائما للآن يحكي قصة الوجود الفارسي العميق في هذه الأرض، حتى إن المسلمين فتحوا بلاد فارس من المدائن ،والإيوان الذي إنشق بمولد النبي الأمي كان إيوان كسرى فيها،بينما توغل الترك عميقا الى الجنوب في بلاد العرب ، وكان العراق المجاور جزءا من إمبراطورية عثمانية مترامية ،وقسمت البلاد الى ولايات خاضعة للسلطان العثماني ،ولاقيمة إعتبارية لها ،ولاإستقلال لها عن الباب العالي ،فصارت مثل حريم السلطان .
تغيرت الأزمان وأنماط العيش ،وطرق التفكير والإعتقادات ،وصار طبيعيا بعد إنتشار الإسلام أن يكون للمذاهب الدينية دور وأثر في توجهات أهل الحكم والسياسة. فالأتراك والإيرانيون ،وهم المحيطون بنا، ولامناص من ذلك أبدا ساد في بلديهما نمطان فكريان ،وشخصية سياسية مختلفة وطموح ورؤية وعقيدة مغايرة ومذهب إسلامي يناقض الآخر،وفوق ذلك كان للدول العربية المستهدفة منهما إنتماءات مختلفة عقائدية وقومية،فتركيا السنية تحتفظ بإرتباط مذهبي مع العديد من الدول العربية السنية ( حكما ومحكومين ) بينما تمتلك إيران حضورها في تلك البلدان من خلال المجموعات البشرية المؤمنة بالمذهب الشيعي وهي وإن لم ترتق الى مستوى السلطة الحاكمة إلا أخيرا لكنها بدأت تتطور على مستوى الكثافة العددية والقدرة في التأثير ومقابلة الآخر بحضور لايمكن تجاهله ،وحتى في تركيا ذاتها يوجد العلويون والشيعة القريبون من إيران ولهم ميول جهة هذا البلد.
في العراق يوجد الشيعة بكثافة في الوسط والجنوب ،وهم الأغلبية من السكان بينما ينتشر السنة في المناطق الغربية ،ويحتاج الشيعة ليدعموا إدعاءهم إنهم الأغلبية الى تعداد سكاني يبين غلبة مذهبهم وهو مالم يتم الإتفاق عليه للآن لأسباب سياسية في الغالب، عدا عن مخاوف أطراف أخرى من أن يستغل هذا التعداد في تغيير الخارطة السياسية، ويؤثر في مسار الأحداث بطريقة غير متوقعة ،وربما قلب المعادلة بصورة دراماتيكية ،ويتصل الطرفان وفق المعالة المذهبية القائمة بهذين العملاقين الإقليميين وكلما توترت الأجواء كلما سمعنا باصوات تخرج من هذا الفصيل أو ذاك تتهم الشيعة بالعمالة لإيران وكما حصل في خطاب النائب أحمد العلواني الذي قال عن الشيعة إنهم خنازير ،أو ماورد في مقال الكاتب السني المقيم في لندن هارون محمد حين وصف الشيعة في عنوان مقال له بأولاد المتعة، بينما يرد بعض الشيعة بإتهام السنة بالعمالة لقطر والسعودية ،والعمل لصالح تركيا بهدف تقسيم العراق.وكان آخر ماصدر عن مجموعات شيعية مسلحة إنها ستستهدف المصالح التركية في العراق ،وقبلها أستهدفت مصالح إيرانية وحجاج في العديد من الأماكن .إنه صراع طويل ومخيف.