ليس دفاعا عن الدولة .. ولكن الظلم ظلمات ..
ما أكثر أصابع الاتهام الموجهة إلى الدولة اليوم ، الكل يبرر خسارته بتزوير الانتخابات ، وكأن جميع من ترشحوا كانوا على يقين لا يقطعه شك بأنهم سيصبحون نوابا في المجلس السابع عشر ، ولا يدرون بأن نسبة الناجحين بينهم ستكون ما لا يزيد عن عشرة بالمائة ، فالمطلوب هو مائة وخمسون نائبا من أصل ألف وخمسمائة رشحوا أنفسهم لهذه المعركة الطاحنة .
لن أدعي هنا بأن العملية الانتخابية كانت على درجة عالية من النزاهة والشفافية ، ولن أدعي بأن حصول الخطأ والاتهام بحصول الخطأ أمرا مرفوضا لا أساس له من الصحة ، فالكمال لله ، والعملية عملية بشرية بحته لا بد أن نعترف بحتمية وقوع بعض الأخطاء والمشاكل في شيء من إجراءاتها ، ولكن أن تتهم الدولة من دافع الحقد عليها بتزوير الانتخابات من ألفها إلى يائها فهذا شيء لا يقبله عقل ولا يصدقه عاقل، وربما أن شيئا من التجني والمبالغة في الاتهامات هو ما دفعني إلى أن أكتب اليوم ، فالاتهامات لها باب مفتوح على مصرعيه في بعض القنوات التلفزيونية ، ولا يسمح بالرد على هذه الاتهامات من اي أحد ، وإلا فإنه من غير المعقول أن تكون جميع المكالمات الواردة إلى القناة التي أعنيها تتهم الدولة بالتزوير ، ألا يوجد شخص ممن يعتقدون بنزاهة الانتخابات ليناقض هؤلاء ، ألا يوجد من رأى بأم عينية تلك الإجراءات التي اتبعتها الدولة للوصول إلى أعلى درجات الدقة ليدافع عن هذه الثكلى ؟ ، حقيقة إنه لأمر محزن أن أستمع باذني إلى خرافات ليس لها أي وجود على أرض الواقع ، وما كانت إلا لتعبر عن الأنانية وحب الذات وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة حتى ولو كان ذلك على حساب مقدرات الوطن والعبث بأمنه وأمان من فيه .
أحدهم يدعي بأنه قد صوت له ثلاثة آلاف شخص في صندوق معين ، إلا أن الفرز كشف عن عدم وجود أي صوت له في الصندوق المعني !! لك الله يا وطن ، أي سحر تستخدمه الدولة حتى تقوم بهذه العملية التي تحتاج إلى ساحر ماهر لصرف نظر المندوبين والمراقبين المحليين والدوليين وتزوير ما عدده ثلاثة الاف صوت وتحويلها إلى صفر !! , آخر وهو للأسف رجل قانون كما يدعي ، يقول بأنه دخل إلى غرفة الاقتراع ولم يسمح له بالتصويت واختيار من يريد ، لماذا ؟!! لأن رئيس القاعة يعرف أن جميع من في هذه الدائرة مجمعون على مرشح معين !! بالله عليكم هل يدخل هذا الكلام إلى عقل إنسان عاقل ؟؟ ، الآخر يقول بأن التزوير حصل لأن وسائل الإعلام المختلفة أعلنت اسم مرشح معين كمرشح فائز ثم تبين أنه قد خسر في صباح اليوم التالي للانتخابات وأن الدولة قامت ب"تنجيح" شخص آخر ، الرد على هذا الشخص بأن وسائل الإعلام المختلفة حصلت على النتائج الأولية من المندوبين الموزعين على مراكز الاقتراع وأن مسؤولية نقل هذه النتائج تقع على عاتق هؤلاء المندوبين وليس للدولة أي ذنب في أي معلومات تسربت من داخل غرف الفرز من خلال المندوبين .
الفرز تم على مرأى من عيون الجميع ، لجنة القاعة ، المندوبون ، المراقبون المحليون ، المراقبون الدوليون ، وتم وضع محضر الفرز على باب القاعة وكان أي شخص داخل القاعة مخولا بالتوقيع على هذا المحضر ، تم ترحيل النتائج إلى مكان الفرز الرئيسي مع صناديق الاقتراع وكان بإمكان اي مرشح أن يقوم بالحصول على نتيجته بشكل سريع من خلال جمع الارقام الموجودة على المحاضر المعلقة على ابواب قاعات الاقتراع , سيخرج أحدهم ليقول ربما قامت الدولة بتغيير هذه المحاضر , الجواب ، لقد تم السماح لأي شخص موجود داخل القاعة بالتوقيع على هذه المحاضر، أما بالنسبة للقوائم العامة ونتائجها واللبس الذي حصل فيها ، القوائم تجربة جديدة على الاردن ، وكان من المتوقع حدوث مثل هذا اللبس في نتائجها ، وإن كنت من بداية المطاف غير مقتنع بالآلية التي حددت للعمل بنظام القوائم الوطنية وإفراز الناجحين فيها ، إلا أنه تم اعتمادها وانتهى الأمر ، واعتمدت الية واضحة لمن يفقهها بكيفية اختيار الناجحين من القوائم الوطنية ، وبهذه الآلية قد تحرز قائمة معينة عددا من الأصوات يزيد عن ضعفي ما حصلت عليه قائمة أخرى ، ويكون للقائمتين نفس العدد من النواب في المجلس ، إلا أن خلافنا حول هذه النقطة يجب أن لا يوصلنا إلى اتهام الدولة بالتزوير ، فالعملية باختصار لعبة أرقام .
أما عن تأخير ظهور النتائج فهو بسبب أن المطلوب في هذه المرة إفراز عدد كبير من الأصوات وتحديد نسب على مستوى المملكة فيما يتعلق بمرشحي القوائم الوطنية والفائزات بمقاعد الكوتا النسائية ، ومع كل ذلك فإنني لست مؤهلا للدفاع عن نزاهة الانتخابات النيابية المنصرمة ولا أهلا له ولكنني قد أزعجني كثيرا هذا الوابل من الاتهامات الذي أمطره الناس على الهيئة المستقلة للانتخابات ، وأزعجني أكثر من صاروا يخططون لما أسموه بجمعة اسقاط النواب ، وأزعجني أكثر وأكثر من طالبوا بإعادة الانتخابات مرة أخرى !! بالله عليكم أخبروني ، لو حصل وقمنا بإعادة الانتخابات مرة أخرى ما الذي سيقنع الناجحين بمقاعد نيابية اليوم بالنتائج الجديدة فيما لو فشلوا لأي سبب كان ؟ ألا ترون أننا سندخل في دوامة من المطالبات بإسقاط المجالس وإعادة الانتخابات مما سيؤدي بكل تأكيد إلى تعطيل الحياة السياسية تلبية لطموحات ورغبات بعض الحركات والحراكات .
الأمر يحتاج إلى المزيد من المنطق والواقعية ، ويحتاج أكثر إلى تغليب مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية ، فالحياة بكل ما فيها كر وفر ، ربح وخسارة ، نجاح وفشل ، فما بالكم أيها المعارضون تريدون إخراج العملية الانتخابية من هذه القاعدة الطبيعية والتي كان من المفروض أنها لا تخفى على أحد منكم .
خلاصة القول ... لا أعتقد أن المجلس السابع عشر بإفرازاته الحالية سيئا ، فأجمل ما فيه أننا تخلصنا من عدد كبير من الذين كانوا في المجلس السابق ، وعليه فالأولى أن نفتح لهؤلاء النواب الجدد الطريق للسير بما فيه مصلحة هذا الوطن ، وليس أن نحكم عليهم مبكرا بالفشل فنكون نحن أكبر خاسر وأول فاشل .والله من وراء القصد .