رسالة موجهة لمجلس النواب الـ17
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة موجهة لمجلس النواب الـ17
النصيحة هي الطريق الوحيد إلى الإصلاح
قال الرسول (ص): الدين النصيحة. فإن كان الدين كله وهو عماد الأمر وأساس الإصلاح في الكون تم اختزاله في النصيحة، ألا تكون النصيحة وهي في اللغة بمعنى الإصلاح أن تكون الطريق الوحيد للإصلاح سواءً كان إصلاحاً سياسياً أو اقتصادياً متمثلاً بكل ما تحمله معنى النصيحة من العمل والكلمة الهادفة الدالة على الصلاح وبالتالي ينعكس هذا الإصلاح على الجوانب الإجتماعية والنفسية للمجتمع ككل.
لقد رأينا في السنوات القليلة الماضية ما لم نره في حياتنا كلها من تأثير سلبيّ للإبتعاد عن مبدأ النصيحة وممارستها على مختلف الأصعدة، ولنا في الدول الشقيقة والقريبة خير مثال لما آلت إليه الأحوال الأمنية والسياسية والإقتصادية فيها بعد الربيع العربي وثورات الرأي والسلاح والطائفية، كلُّ حسب خصوصيته. ويبقى الأردن يراوح على استحياء مكانه بين تلك الثورات خوفاً من الإنفلات الأمني تارة وانتظاراً لما تؤول إليه الأمور بالتخويف تارة أخرى، أو استكشافاً لممارسات جديدة في تطبيق الحريات ومدى اتساع صدر السلطة لها تارات أخرى، فكأن الإعتصامات والإحتجاجات اختراع جديد وتقنية حديثة من تقنيات الإتصال والتفاعل والتواصل الإجتماعي وكلُّ يدلي بدلوه فيها! إلى متى؟ ومن هو المسؤول؟ وعلى عاتق من تقع المسؤولية أصلاً وكلُّ ينأى بنفسه عنها!؟ وما تزال المسؤولية الأخلاقية والسياسية تنحدر من مسؤول لمن بعده حتى تستقر في حِجر متهم بالتقصير بدليل أو من غير دليل!
وأنا بهذه الكلمات لا أتهم أحداً ولا أدعو لاتهام أحد، بل أدعو لإحياء الطريق السليم للإصلاح وهو القاعدة الذهبية للإصلاح في كل زمان ومكان وهو "النصيحة"، ولكي لا أكون ممن ينادي بما لا يفعل فسأبدأ بالنصيحة لولاة الأمر ومن ولّاهم الناس أمر دينهم ودنياهم ومعاشهم وأمنهم : "مجلس النواب الكريم" الذين ارتضاهم الناس لقيادتهم وتسيير أمور حياتهم، وأقول لهم ابتداء : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتهم، عليكم أنفسكم لا يضركم من أفسد إذا أصلحتم، عليكم بالعمل على إصلاح النظام بلا تقويض ولا تفويض، بلا إسراف ولا تقتير، عليكم بالعمل على إيجاد الركائز الأساسية لأركان الحكم بالعدل، وإلا كان الفساد في الأرض هو الخيار الوحيد لمستقبل الأردن العزيز. والفساد كما تعلمون أنواع أقله ما نعانيه هذه الأيام لأننا اعتدنا عليه، وأشدّه ما يعيشه أخواننا في سوريا وهي الحالقة التي لا تبقي ولا تذر.
إخواني الأعزاء، لن أدعوكم لمحاربة الفساد أو البحث عن الفاسدين ، لن أدعوكم لفتح قضايا الفساد ومحاولة زج الفاسدين في السجون، لأن دوركم أكبر من ذلك، وهو منع الفساد والفاسدين من أخذ دوركم في إدارة البلاد أو قيادة الدفة إلى المستقبل، فالأمر بين اثنين لا ثالث لهما، إما مستقبل أسود بقيادة الفاسدين أو مستقبل مزهر بقيادة الناصحين لله ولوليّ الأمر، وهم المصلحون الحقيقيون لأركان الدولة وأساس الحكم.
أيها المصلحون لما أفسده الطمع والجشع والغرور والجهوية الفارغة وحب التسلط، عليكم بالدعوة لإصلاح ستة أمور قبل كل شيء، إما بالتأسيس والإبتكار أو بالتعديل وتصحيح المسار، وهذه الأمور على الترتيب :
1- مجلس للأمن الوطني
2- ديوان للمحاسبة والرقابة السياسية
3- الهيئة المستقلة للإنتخابات
4- مجلس النواب
5- مجلس الأعيان
6- الهبئات والوزارات والمؤسسات المعنية بتشجيع الإستثمار والتنمية الداخلية
أما الأول وهو مجلس الأمن الوطني فيعتبر صمام الأمان الناقص لكل النوازل، فنحن مع احترامنا وتقديرنا للمسؤولين الأمنيين في البلاد وحرصهم على استقرار الأردن وغيرتهم على مكتسبات الوطن، إلا أنهم بشر ومصير الدولة والأردن العزيز لا يجب بأي حال من الأحوال أن يتبع رأي شخص مهما على شأنه، فالأمر كله لهذا المجلس، وأول أولويات هذا المجلس هو أمن الوطن والمواطن، من الغفير إلى من يستقبل السفير. وقد رأينا سابقاً كيف تعاملت قوات الأمن من بعض الإحتجاجات بأسلوب لا يخفى على عاقل بأنه سيناريو من وضع عقلية أمنية بحتة، حتى ولو كانت خطة محكمة، فهذا الأمر من الأهمية بمكان بحيث يجب أن يوكل الحكم فيه لمجلس مكون من قيادات المجالس العليا، حكومة ونواباً وأعياناً ومن قيادات الجيش والمخابرات وحفظ الأمن ومن بعض المختصين في إدارة الكوارث والأزمات ومن العلماء الكرام، لا لنزع صلاحيات ولا لتوزيع أخرى، بل لتأسيس ركن من أركان الدولة .
أما الثاني وهو ديوان للمحاسبة والرقابة السياسية، متخصص بالرقابة والمحاسبة على كل المجالس العليا، كمجلس الوزراء والنواب والأعيان والهيئات المستقلة، لضمان عدم تخلخل الفساد داخل هذه المجالس والهيئات ولضمان الجودة المنشودة الخالية من العيوب السياسية والوساطات الجهوية، وأن يكون له كامل الصلاحيات لتحويل الفاسدين للجهات المختصة ، هيئات كانت أو للقضاء، بقاعدة ذهبية أساسها : لا حصانة لفاسد. وهذا الديوان في هيئته يجب أن يضم الغيورين والمدققين من مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والمتخصصين بالرقابة على كل المستويات.
أما الثالث، وهو فخر الأردن وإنجازه القريب، ولكن يجب العمل على مراجعة القانون الخاص بهذه الهيئة وتوسيع صلاحياتها ومسؤولياتها لتشمل الإشراف الدائم على التصويت داخل المجالس العليا لضمان السرية ولمحاربة الفساد في أروقة الحكم، وضمان النزاهة في كل القضايا المطروحة على المجالس العليا، والإشراف على استطلاعات الرأي في القضايا الحساسة المطروحة على الشعب من قبل أيّ من هذه المجالس.
أما الرابع وهو مجلس النواب الكريم واختيار الشعب رغماً عن الجميع وقانون الإنتخاب الحالي العقيم، فيجب النظر فيه وتعديله ليتماشى مع الأعراف الدولية على السواء مع خصوصية البلد وتنوع الأصول والمنابت الكريمة، والعمل على تضييق الفجوات بين الكراسي في مجلس النواب وزيادة العدد ولو للضعف مع ضمان التوزيع العادل للموارد المخصصة للنواب، وزيادة نسبة المقاعد عن القوائم الوطنية بشروط صحيحة أولها أن يكون نائب الوطن عضواُ في حزب سياسي لفترة أقلها أربع سنوات لإثراء المجلس بالوطنيين والمفكرين وأصحاب الرأي من الأحزاب الكبيرة والصغيرة للعمل على الإنماء السياسي. لا أن تكون القوائم الوطنية سبباً في إفراز البعض من أصحاب النفوذ والمال السياسي على حساب إقصاء البعض من السياسيين الغيورين على هذا البلد. والنظر بشكل واعي لأعداد المقاعد للدوائر المحلية وتوزيعها توزيعاً عادلاً لضمان المنافسة الشريفة و تضييق الفجوة الإجتماعية بين العشائر في أوقات الإنتخابات.
أما الخامس: وهو مجلس الأعيان وشيوخ هذا البلد، فيجب العمل على إحياء دوره ونفض الغبار عن جنباته، وتفعيل دوره السياسي المنشود لا أن يكون جسراً للقرارات فقط، وذلك بسن قانون خاص فيه يقضي بانتخاب أعضائه أو جزء منه، فيكون مثلاً بالمناصفة، نصفه منتخب ونصفه يعينه جلالة الملك بالمشاورة وبالأحقية السياسية. ولو كان الإنتخاب للأعضاء من قبل مجلس النواب أنفسهم لكان خيراً ولو كبداية، وإن تم إحياؤه فعلاً كان بحق كنزاً للبلد وصماماً للإصلاح.
أما السادس وهو العمل على تفعيل دور المؤسسات المعنية بتشجيع الإستثمار والتنمية المحلية، ولا أقصد بالمستثمرين الأجانب منهم، فهذا البلد لن ينمو ولن يبنى إلا بسواعد أبنائه المخلصين، والمتتبع لمواضيع الإستثمار المحلي يجد نقصاً واضحاً في الإرشاد والتوعية للمشاريع الصغيرة الفعلية، و من ناحية أخرى ستجد الآلاف من أصحاب رأس المال الصغير إلى المتوسط يبحثون ليل نهار عن مشاريع تنموية واقتصادية ولا يجدون معيناً أو مرشداً، وبالمقارنة مع بعض الدول ستجد مثلا في مصر هيئات متخصصة تعنى بتقديم الدعم الكامل للمستثمرين الصغار ولن تجد موضوعاً من مواضيع التنمية إلا وجدت آلاف المشاريع المطروحة وبرؤيا محلية بحتة. فيجب العمل على سد هذا الخلل ليكون الإصلاح في هذا البلد بالمعنى المتكامل بشقيه السياسي والإقتصادي وبالتالي يترافق الإصلاح مع التنمية.
وأخيراً إعلموا أن النصيحة كلها خير، ولا تظنوا أن النصيحة لا تأخذ في النفس ما لها من حق حتى تروا أثرها، ولا تنسوا إخوانكم في جماعة الإخوان المسلمين، وما لهم من أفضال على هذا البلد، حتى لو كانوا هم المشككين في شرعيتكم فالباب ما زال مفتوحا للنصيحة والإصلاح فيما بينهم وبين أركان النظام وهم يكادون أن يكونوا أحد أركان الحكم في هذه البلاد، فلو قمتم أنتم بالمبادرة والإصلاح وتم ما تنشدونه من تفعيل لهذه المجالس لكانوا هم أحق من يحيي دور مجلس الأعيان.