استنساخ " صائب " ..!
من الضروري في بداية هذا الكلام أن نقوم بعملية تنشيط للذاكرة المعرفية عند القارىء العزيز حول ظاهرة الإستنساخ ، والتي يُعرفها العلماء على أنها تعني عملية القيام بإنتاج نُسخ طبق الأصل من منتج معين ، وإذا ما تناولنا المعنى بشيء بسيط من التفصيل فيمكن القول أيضا بأنها محاولة علمية مخبرية لإيجاد نُسخ متشابهة من الخلايا الحية ، أو الكائنات الكاملة ، من خلية حية سابقة ، أو من عدد من الخلايا ، أو من كائن حي .
الغالبية منا تتذكر جيدا تجربة النعجة " دوللي " والتي إنعرفت وإشتهرت لأنها كانت أول حيوان ثدي يتم إستنساخه من خلية جسمية حية ، وقد تم ذلك في معهد روزلين التابع لجامعة " أدنبرة " في أسكتلندا بالمملكة المتحدة في تموز من عام 1996 ، النعجة دوللي المسكينة وما تسببت به واحدثته من صخب وضجة علمية في ذلك الوقت قسمت العالم والعلماء إلى قسمين ، الأول مؤيد لتجربة ولادتها ، والثاني معارض ورافض ، ولذلك فإن الجدل والتباين متواصل حتى وقتنا الراهن بالرغم من إنتقال دوللي إلى خالقها وبعد أن ماتت بأسلوب يعرف عند العلماء بالقتل الرحيم – والمرفوض دينيا – وذلك بعد إصابتها بمرض صدري جراء وصولها إلى مرحلة الشيخوخة المبكرة كما دون العلماء في تقاريرهم حول قتلها .
في الحالة الفلسطينية الراهنة ، وبعد الذي سمعناه على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المقابلة التي أجرتها معه فضائية " الميادين " ، والتي بثتها مساء الجمعة الموافق للخامس والعشرين من الشهر الجاري ، فقد توصلت إلى قناعة راسخة بضرورة الإسراع بالقيام بعملية إستنساخ عاجلة وضرورية لرئيس دائرة المفاوضات في سلطة رام الله كبير المفاوضين الدكتور صائب عريقات ، فالكبير وكما جاء على لسان رئيسه أصبح مهددا بالقتل من قبل " الإسرائيليين " وقد نفقده غيلة وفي أية لحظة وبنفس الطريقة التي فقدنا بها المرحوم القائد ياسر عرفات أبو عمار !
الرئيس أبو مازن وفي حديثه للإعلامي غسان بن جدو مدير الفضائية يقول عن صائب عريقات : " بأنه ذاكرة متحركة للمفاوضات مع إسرائيل لأنه يحفظ كل التفاصيل وعن ظهر قلب ، وأن إسرائيل تضغط على الفلسطينيين للتخلص من صائب لأنه صار يعرف أكثر مما يجب ، وبأن هناك من يحاول قتله والتخلص منه " . هذه الشهادة من الرئيس بحق كبير المفاوضين يفهم منها أيضا ، بأن الدكتور عريقات وفي ما يخص قدراته التفاوضية الجبارة التي بات يمتلكها قد أصبح ذخراً وكنزاً ثميناً للشعب الفلسطيني ، وعليه فمن الضروري المحافظة عليه وعلى حياته التي بات " الإسرائيليين " يسعون للقضاء عليها ، والتخلص منها ، لأن في بقاءها خطر شديد عليهم ، وعلى قدراتهم وحنكتهم التفاوضية التي يمتازون بها ، و بعد أن ثبت لهم بأن القدرة على التفاوض والمراوغة التي بات يمتلكها الكبير عريقات قد تفوقت على خبثم ودهاءهم الذي اشتهروا به عبر التاريخ .
الدكتور البارع إذا أصبح قادرعلى فك الشيفرة السرية لكل خطوط التفاوض ، وليس ببعيد عليه أن يمتاز ويتخصص في قراءة الطالع ، والفنجان ، وضرب الودع ليعرف كيف يجب أن تكون أصول المحاورة ، والمناورة التفاوضية والدبلوماسية مع بني " إسرائيل " ، وبموجب ذلك فلا داعي اذاً للخوف على مستقبل عملية التفاوض معهم ما دام الدكتور موجود ، وجاهز، وعلى أهبة الإستعداد لتوجيه الضربة القاضية لهؤلاء الأنجاس ، ألا يجعلنا ذلك نطالب وبشدة بضرورة البدء في عملية الإستنساخ التي أشرنا إليها قبل أن نفقده وتحل الكارثة على القضية وعلى رؤوس شعبها ! .
حديث الرئيس الطويل والذي لم نخرج منه بجملة مفيدة واحدة هو تعبير صادق عن أزمة هذه السلطة وعن الداء الذي أصاب أعضاء فريقها ، داء قد يحتار المرء في تسميته ، فهل هي الهلوسة ؟ هل هو الخرف ؟ ودب الكلام الذي لا معنى ولا قيمة له ، أم هو داء التخيل والتحدث بالتالي عن أشياء لا علاقة لها بالواقع أو بالمنطق المعقول والمقبول ، ولكن ولللأسف فما دامت توجد منابر جاهزة ومستعدة لإستقبال وبث وترويج هذه الأحاديث الخالية من المضمون والجوهر ، و ما دامت الرياح الدبلوماسية في هذه الأيام نشطة ومستعدة لحمل كل الأوزان و كل العيارات الكلامية فسنظل نسمع هذا الهراء وهذا الشطط اللاوطني ، فلا سائل ولا مسؤول !.
قد يكون للعلماء ذرائع وحجج في أن ينتجوا مئة نعجة وكبش ، اما في ما يخص القضية الفلسطنية فما احوجنا لنرى ونعيش لحظة الخلاص الوطني من كل هذه " القيادات " المارقة واللاهية بمصالح واهداف شعبنا ، ما احوجنا اليوم لقادة احرار وشرفاء يحملون هوية الإنتماء الفعلي والصادق لعذاب ومعاناة وتضحيات جماهيرهم الصابرة والصامدة ، ما احوجنا لوحدة وطنية ، ولبرنامج سياسي واضح ، ولأداة تحرير مخلصة ونظيفة ترص الصفوف وتجمع كل الطاقات لنواصل مسيرة التحرير والعودة وتحقيق الإستقلال الوطني الفعلي والناجز ، هذا هو الإستنساخ الصائب الذي نبحث عنه ، وفلسطين دائما من وراء القصد .