تأكل منسأته ...!
المتتبع للتاريخ السوري المعاصر وطبيعة العلاقة بين الشعب وحكام سوريا، منذ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي وحتى يومنا هذا، يجد أن الشعب عرف حياة آمنة مستقرة نوعاً ما طوال سبعة عشر عاماً بعد الاستقلال، باستثناء أحداث قليلة أطولها بالكاد أكمل عاماً واحداً، ثم بدأت مرحلة جديدة في العام 1963م بوصول حزب البعث للسلطة، بدأت باحتجاجات حماة العام 1964م، خلال حكم أمين الحافظ أول رئيس بعثي، وتم سحقها ليسقط فيها ما يقرب من 100 شخص، وأضعافهم معتقلين ومفقودين.
ثم أحداث حماة في الفترة ما بين 1979-1982م، والتي انتهت بمجزرة حماة الشهيرة، التي سقط فيها مالا يقل عن 35,000، غير عشرات آلالاف المعتقلين والمشردين.
ثم الثورة السورية التي اندلعت في العام 2011م، ومازالت مستمرة حتى بعد وصول عدد ضحاياها لأكثر من 60,000، لكن الأولوية عند بعض الأنظمة على ما يبدو هي بتحقيق الأمان والاستقرار في البلاد، حتى وإن كان ذلك بحرقها وتدميرها فوق رؤوس كل من يفتح فمه بالمعارضة فيها ...!
لماذا احتاج زعماء نظام البعث مواجهة الشعب بالمجازر والقتل لتثبيت دعائم حكمهم، الأمر الذي لم يحتاجه الزعماء الذين سبقوهم في الحكم، وكلامنا ينسحب على تسعة من الزعماء العشرة الذين حكموا قبل وصول نظام البعث، ابتداء بشكري القوتلي، وحسني الزعيم، وسامي الحناوي، وهاشم الأتاسي، ومروراً بفوزي السلو، وجمال عبدالناصر، ومأمون الكزبري، وعزت النص، وصولاً إلى ناظم القدسي.
اذا ما استثنينا أديب الشيشكلي، بسبب قمعه لثورة جبل الدروز بوحشية أدت لوقوع ما يزيد عن 300 من دروز الجبل، وكانت نتيجتها ثورة عمت البلاد استمرت اقل من عام، وفضل بعدها الاستقالة والخروج من البلاد لإيقاف نزيف الدم السوري!
وبالمقارنة بين الأحوال قبل وبعد عام 1963م، تتضح الميزة التي تميز بها نظام البعث منذ وصوله إلى سدة الحكم في سوريا، وهي التي وطدت العلاقة بينه وبين الشعب السوري حتى وصلت الى أن نرى كل مواطن سوري اليوم يقبل صور زعماء البعث ثلاث مرات يوميا، تماما كما الوجبات الثلاثة، بل وربما أكثر ..!
الباحث في التاريخ في نهاية الملوك والعظماء، لا بد له وأن يتوقف عند من أنعم الله عليه بأعظم ملك في التاريخ، نبي الله سليمان بن داوود عليه السلام، آتاه الله وراثة النبوة بجانب وراثة الملك من والده النبي داوود عليه السلام، واستجاب دعائه بان يمنحه ملكاً لا ينبغي لأحد بعده، فسخر له الإنس، والطير، والريح، والجن، والشياطين، فكان إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير، وقام له الإنس والجن حتى يجلس، وكان إذا أراد الغزو أمر بعمل بساط من خشب يتسع لعسكره، ويركبون عليه هم ودوابهم وما يحتاجون إليه، ثم أمر الريح فحملته فسارت في غدوته مسيرة شهر، وفي روحته كذلك، وأعطاه الله أن لا يتكلم أحد بشيء إلا حملته الريح إليه فيعلم ما يقول، فكيف كانت نهاية من منحه الله أعظم قوة وعز وجنود في التاريخ؟
يقول الله تعالى في الآية 14 من سورة سبأ: {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأْكل منسأَته فلما خر تبينت الجن أَن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}، كل هذه العظمة، والقوة، والجنود، وفي النهاية لا يدلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته !!
هذا ونبي الله سليمان لم يكن لا ظالماً ولا قاتلاً ولا متكبراً، وكان له من القوة والمنعة عشرات أضعاف أكبر حاكم جاء على مر التاريخ، وبرغم ذلك تكون نهايته هكذا!
لذا كان لزاماً على كل واحد منا مهما بلغ في العظمة والقوة والجاه والسؤدد أن يأتي عليه اليوم الذي لن يمنعه من مفارقة هذه الدنيا، ومواجهة مصيره المحتوم ولا كل جنوده وعزه وجبروته، مهما تعاظمت القوة، وتضاعف عدد الجنود والعتاد، فياليت شعري بمن يختار الحكم بالظلم والقهر أن يمنح نفسه دقائق قليلة يفكر فيها في نهايته كيف ستكون؟ وهل سيجد عندها منسأة يتكأ عليه
ا أم لا ...!