عندما يكتب الملك للوطن وللعالم
المدينة نيوز - دأب جلالة الملك عبدالله الثاني على نشر رؤاه الاستشرافية حول عدد من القضايا المحلية والعربية والعالمية في الصحف والمجلات العالمية التي تتميز بنوعية قرائها وبالمحتوى الرصين ويتابعها عدد كبير من قادة الرأي والمؤثرين في دول العالم .
وتنوعت الموضوعات التي كتب فيها جلالته منذ توليه سلطاته الدستورية بدءا من الاصلاح كأولوية، والربيع العربي، والوضع الراهن في الشرق الاوسط خاصة النزاع المحوري في الشرق الاوسط ، وعن الشباب والسلام ، والصدام بين الحضارات , والمتطرفين ، والصوت الحقيقي للإسلام.
ونشر جلالته رؤاه الفكرية في صحيفة (ذا هيل) الأميركية الواسعة الانتشار في واشنطن بين أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب وصحف وول ستريت وإنترناشونال هيرالد تربيون وكورييري ديلا سيرا الايطالية واللوموند الفرنسية والنيويورك تايمز ولوس أنجلوس تايمز والواشنطن بوست بالإضافة الى مجلة أكسفورد بيزنس جروب , ومجلة السياسة الخارجية.
وبدأ جلالته بنشر سلسلة من الأوراق النقاشية لتحفيز قيام حوار وطني حول مسيرة الإصلاح وعملية التحول الديموقراطي التي تمر بها المملكة بهدف بناء التوافق وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار وإدامة الزخم البناء حول عملية الإصلاح.
تقول استاذ التاريخ الحديث الدكتورة هند ابو الشعر ان جلالة الملك عبد الله الثاني هو رأس هرم الدولة وعقلها المفكر والمخطط ويخاطب الجميع مبينة ان تعدد المنابر ضرورة سواء كان جلالته خطيبا او محاورا او مفسرا وفي جميع وسائل الإعلام في الوطن وخارجه.
وتضيف: اننا في زمن الصورة وسطوة الإعلام في العالم أجمع، ومن هنا تأتي ضرورة أن يكتب جلالة الملك استمرارا لنهج الآباء والأجداد ، وتمكينا لخطه الفكري ومنهجيته موضحة أن الوطن اتسع بطاقاته وجامعاته ومؤسساته الفكرية والاقتصادية والإدارية وجلالته يخاطب هذا الامتداد بلغة تتناسب مع تطور الوطن وتعددية طاقاته واتساعها .
وترى الدكتورة ابو الشعر ان جلالته يواكب التغيرات المتسارعة ، وان الكتابة مسألة تقتضيها ضرورات كثيرة منها حرصه على اعطاء متطلبات العصر أهمية استثنائية ونقل الاردن إلى رحاب الخطاب العالمي باستخدامها اعتمادا على اللغات الأجنبية كأساس للوصول إلى العالم من أجل ايصال صوتنا وقضايانا إليه بكل الطرق الممكنة.
وتبين : من هنا جاء نشر كتاب جلالته المتميز ( فرصتنا الأخيرة ، السعي نحو السلام في زمن الخطر ) بالإنجليزية والعربية في وقت متزامن ، وفي هذا ترجمة لتفهم الملك لصيغة الخطاب ولغته وزمنه ، وقد اجتهد بإسماع رسالته بطريقته وهي طريقة عقلانية وواعية ، ونحن أبناء هذا الوطن بكل فئاتنا اعتدنا على أن تكون القيادة لدينا قادرة على الوصول إلى العالم بذكاء ووسطية .
وتقول الدكتورة ابو الشعر : عندما أتابع خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني خارج الوطن ، وأستمع إلى الكيفية التي يخاطب فيها العقل الغربي والشرقي في العالم كله ، أشعر بالفخر حقا ، خاصة وأنه ينال الإعجاب بحواره وصراحته المباشرة ، وهو الخطاب الذي قدمه في كتابه أيضا .
وترى ان توقيت الكتابة مسألة على جانب كبير من الأهمية ، لأننا نعلم بأنه لا يمكن لجلالته أن يكتب وينشر كتابا إلا إذا كانت له ضرورة ويطرح فيه خطابا له توقيته ، وخطابه في الكتاب يقول بوعي حقيقي للعالم كله بأن الوقت أثمن من أن يضيعه العالم ، ويقف بعيدا ليراقب انهيار عملية السلام .
وتقول : هي الرسالة الاستشرافية التي أراد جلالة الملك للعالم كله أن يتذكرها، وما قاله في كتابه صريح وجريء وجاء في أوانه حيث حصلت احداث العالم العربي، وكان جلالته محقا فهو صانع قرار , وفي الوقت ذاته يتفهم أنه يتحرك في إطار محلي وعربي وإقليمي وعالمي.
وتكمل الدكتورة ابو الشعر ان كتاب جلالته حمل رسائل ذكية وخص الشباب باهتمامه لأنه في عمر الشباب ويعرف كيف يفكرون وكانت حكمة جلالته وصوت الحكمة واضحة في رؤية المستقبل ، وفي طرحه لرؤيته الإصلاحية ، وفي تحليله لقوى الشد العكسي ، فقدم منهج عمل واستراتيجية مستقبلية وأجمل ما قاله الملك للشباب " لا تهدروا من عمركم المنتج ساعة ولا يوما ولا أسبوعا, إن بلادكم وأمتكم بحاجة إلى عقولكم وسواعدكم للحاق بركب التطور الإنساني ، ليس للحاق فقط ، بل للمنافسة وفي كل مجالات الإبداع والتطور".
وتضيف : ان جلالته وجه رسائل كثيرة وخاصة لقوى الشد العكسي ، مؤكدا أن السلبية والخوف من التغيير والتردد أمام الطروحات الكبيرة هي عوائق تبقينا أسرى آفاق ضيقة، موضحة ان جلالته من خلال كتاباته يتوجه للرأي العام العالمي ثقة منه أن علينا ان نبني للمستقبل البناء الواعي الذي يقوم على الوعي بالإنسانية والعالمية في ظل المواطنة والعروبة وضمن قيم التراث والإسلام ، وهي رؤية متوازنة وتعرف ما الذي يتطلبه المستقبل.
وتنوه استاذة التاريخ الحديث بان جلالته بدأ بتقديم (أوراق نقاشية ) تتناول الشأن المحلي، وبهذا يضعنا أمام حالة جديدة لم يسبق أن رأيناها بشكل مباشر ، وهي طرح أوراق لجميع فئات المجتمع ليناقشهم فيها، وليضعوا معا أسس البناء لما بعد الربيع العربي مشيرة الى ان جلالته يعرف المتغيرات ويضعها على الطاولة بمباشرة ووضوح.
وتقول: ان الأوراق النقاشية تقدم خطابا جديدا بلغة جلالة الملك بحكم اطلاعه ومعرفة وسماع نبض الشارع بحيث لا يوجد حاجز بين جلالته والناس، مشيرة الى ان جلالته متعدد المواهب العسكرية والأكاديمية ، وهذا يعني أن الكتابة للناس ومخاطبتهم بالكلمة مسألة متوقعة من مثله ، فهو يملك الرصيد العائلي والإرث التاريخي والروحي ، ومحصن بالقدرة العسكرية والتدريب لذلك يكتب لنا كما نكتب نحن للوطن وله .
وزير الاعلام الاسبق الدكتور نبيل الشريف يرى أن حرص جلالة الملك عبد الله الثاني على التعبير عن آرائه بالكتابة هو أمر فريد بين قادة الدول ، فالشعوب الأخرى لا تسمع في العادة سوى اوامر وتوجيهات وليس طروحات فكرية واسهامات ابداعية مبينا ان هذا يدل على احترام جلالته لشعبه وحرصه على طرح أفكاره عليهم ليكونوا شركاء في تحمل المسؤولية ، وشتان بين من ينفذ عن قناعة وبين من يطبق الأفكار لأنها قيلت له أو طلبت منه .
ويضيف : ان حرص جلالة الملك على ممارسة الكتابة جاء ليرسي تقليدا في المجتمع يقوم على اعتماد المحاورة والاقناع سبيلا لحل المشكلات والخلافات ، وبذلك يضرب بنفسه المثل عندما يطرح أفكاره للنقاش والحوار ليقول للجميع ان هذا هو الاسلوب الحضاري المقبول لحسم كل الخلافات وطرح كل الرؤى والتوجهات .
وعن دلالة المكان يقول الدكتور الشريف ان الكاتب الناجح يعرف جمهوره قبل ان يشرع في عملية الكتابة سواء اكانت ابداعية أو تقريرية ، فالكتابة ليست عملية صماء تصلح أدواتها لكل زمان ومكان بغض النظر عن الجمهور المتلقي .
ويبين: "لقد تابعت مثل كل المواطنين تعدد المنابر التي كتب فيها جلالته مقالاته ، وتراوح ذلك بين الصحيفة المحلية والصحف والمجلات الاميركية والاوروبية ، اضافة الى اسهام جلالته الاخير بنشر الورقة النقاشية الأولى والثانية على موقعه الالكتروني ، ولا ننسى بالطبع النتاج الفكري الأهم لجلالته الا وهو كتابه القيّم فرصتنا الأخيرة .
وينوه الى ان أسلوب جلالته يتسم بالمباشرة والوضوح والابتعاد عن التكلف والصنعة ، فما يهمه هو الوصول الى أوسع قطاع من الناس ، والأساس عنده هو وضوح الفكرة، كما أن الأفكار التي يطرحها تستهدف حينا توضيح التوجهات القائمة والمستقبلية للمواطنين وترمي في أحيان أخرى الى شرح المواقف العربية للرأي العام الأجنبي . ويقول ان جلالة الملك يحرص دائما على اختيار المنبر المناسب والوسيلة التعبيرية الملائمة لطرح أفكاره وايصالها الى الجمهور المستهدف داخل الاردن أو خارجه. وحول توقيت الكتابة ودلالة الزمان لدى جلالته يضيف الدكتور الشريف أن التوقيت هو احد أهم عوامل النجاح في العملية الابداعية ، فالكاتب الناجح هو أيضا من يتحسس اهتمامات الناس ويخاطب هذه الاهتمامات، واذا لم يراع الكاتب اعتبار التوقيت، وابتعد عن أولويات الناس فانه لا يحقق الصدى المطلوب.
ويبين : لقد لمسنا حرص جلالته على مسألة التوقيت في الكتابة من خلال الورقة النقاشية الأولى التي أطلقها جلالته، فقد جاءت هذه الورقة قبل موعد بدء الانتخابات النيابية بأسابيع قليلة، وكانت تهدف الى اثراء النقاش الوطني حول أفضل الطرق لاختيار النائب المناسب وما هي المواصفات الواجب توفرها في النائب الذي يستحق أن يمنحه المواطنون ثقتهم .
ويشير الى ان مقالات جلالته التي تنشر في المنابر العالمية تتزامن مع أحداث وتطورات مهمة فيما يتعلق بالقضايا العربية لأنها تهدف الى طرح وجهة النظر العربية ومحاولة كسب أنصار جدد للموقف العربي.
ويقول ان جلالته يتمتع بقدرة فائقة ومهارة متميزة في مخاطبة الرأي العام العالمي وخطابه يقوم على العقل ومقارعة الحجة بالحجة ، وهو ليس خطابا انشائيا يستند الى المحسنات اللغوية أو يتسربل خلف الألفاظ الرنانة ، فهدفه عرض أفكاره وكسب الأنصار والمؤيدين للقضية او الموضوع مدار البحث .
ويحرص جلالته كما يوضح الدكتور الشريف في كل كتاباته على حفز المتلقي على التفكير والتأمل كي يصل الى القناعة المطلوبة بنفسه ، أي أن جلالته يقوم باثارة الأسئلة أكثر من تقديم الاجوبة الجاهزة , ولا شك ان هذه الطريقة في التعبير ، أي اثارة الأسئلة ودفع المتلقي للتفكير والوصول الى القناعات بنفسه يعكس احتراما حقيقيا لعقل الآخر ، كما أن القناعات التي يتم التوصل اليها عن هذا الطريق تعد أكثر رسوخا.
استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاردنية الدكتور محمد المصالحة يقول ان الكتابة تعتبر احد ادوات الاتصال السياسي التي تنوعت وتطورت مع التطور الحديث للاتصالات والتقنيات الحديثة، مبينا انها تعتبر من الادوات التعبيرية القصدية المهمة التي تسهم في إيصال فكرة معينة الى جمهور مستهدف.
ويضيف: ان كتابات جلالة الملك وكذلك رؤساء الدول تهدف الى ايصال رسائل محددة سواء في مضمونها او حتى في طريقة تطبيقها الى جمهور معين ، مبينا انه من الممكن ان نرى جلالته يكتب مقالا او ورقة عوضا عن إجراء مقابلة تلفزيونية او صحفية او حتى القاء محاضرة وغير ذلك من وسائل التواصل.
ويرى ان جلالة الملك في كتاباته التي دأب عليها منذ توليه سلطاته الدستورية يحرص على ان يخاطب الجمهور الذي يريده بصورة مباشرة دون حواجز خاصة في الموضوعات ذات الشأن العالمي، فهناك مقالات لجلالته عن السلام والصراع العربي الاسرائيلي وحق الفلسطينيين في بناء دولتهم المستقلة، ومقالات أخرى بين فيها جلالته رؤيته للإصلاح المنشود في ظل الربيع العربي الذي شهدته بعض الدول العربية.
وحول أهمية الوسيلة الإعلامية التي ينشر فيها جلالته مقالاته يشير الدكتور المصالحة الى ان اللغة هي أحد أدوات التعبير الفاعلة خاصة اذا كانت لغة الجمهور المتلقي على مستوى العالم ككل ، وبالتالي فان اختيار الوسيلة الاعلامية سواء كانت صحيفة او مجلة لنشر هذه المقالات هو بمثابة الذهاب مباشرة الى القارئ والتحدث اليه دون حواجز لغوية او ثقافية، مبينا ان تجاوز حاجز اللغة يسهم كثيرا في اتساع قاعدة الاتصال والوصول الى شريحة مختلفة من الناس وان تباعدت المسافات , فاللغة تساعد في التعرف على الاخر خاصة اذا كانت هناك لغة مشتركة يفهمها الجميع.
ويوضح ان كتابات جلالته المتنوعة في الشكل والمضمون وحتى في العناوين نرى فيها الكثير من الرؤى الاستشرافية لمستقبل الاردن بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، مبينا انها ضرورية كونها تحمل رسائل متعددة سواء في توضيح موقف سياسي او شرح مرتكزات مهمة تخص الدولة.
ويؤكد الدكتور المصالحة ان الكتابة كانت وما تزال عند الكثيرين عبارة عن تعبير ذاتي يفيض فيه الشخص المعني بما لديه بشكل محدد من اجل ايصال رسائل يرغب في ايصالها الى القارئ وللناس، وكثير من الرؤساء والشخصيات على مستوى العالم يلجأون الى الكتابة بهدف التأثير والاقناع.
ويقول: هذا أمر مألوف ومعروف في الاتصال السياسي، لكون هذه الادوات التعبيرية قصدية، الهدف منها تحقيق غاية وهي الوصول الى الاشخاص. وعن الاوراق النقاشية التي بدأ جلالته بنشرها على موقعه الإلكتروني وتداولتها الصحافة المحلية يبين انها تشتمل على طرح افكار للحوار وفتح مجال للمناقشة بين الجميع لما ورد فيها ، مشيرا الى انها تهدف الى توسيع تناول الرأي مع الاخرين سواء كانوا سياسيين او احزابا او مؤسسات مجتمع مدني ، وبالتالي يتم ايجاد عملية حوارية فكرية بين الاردنيين