مصر إلى أين ؟
استطاعت الثورة المصرية أن ترتقي إلى مرتبة صدارة الأخبار وتصبح الحدث الاهم في هذا العصر ،إذ إحتشدت كافة الاطراف في وحدة واحدة امام النظام المستبد ،و استطاعت إسقاطه ليذهب الرئيس حسني مبارك الى غياهب المجهول ،وبدأت حقبة جديدة تمثلت بانتخابات حرة و نزيهة.
لأول مرة في تاريخ مصر , انقسم الشعب المصري الى قسمين , قسم يتبع د. مرسي و يمثل التوجهات الاسلامية و بعض الوطنيين ،فيما يتبع القسم الاخر د. أحمد شفيق رئيس وزراء مصر السابق، ويضم كل المتعلقين بنظام حسني مبارك و كل المناهضين للتوجه الاسلامي،إضافة إلى جهات خارجية لها مصالح مع هذا الطرف ،وتبدو النسبة متشابهة إلى حد بعيد ، والفارق بسيط،لكن بالمحصلة حصلت التوجهات الاسلامية على رئاسة الحكم و المتمثل بالدكتور محمد مرسي .
رغم ان الفارق بين الطرفين كان طفيفا، إلا ان الطرف الخاسر للإنتخابات لم يستسلم ،ولم يهدا له بال، فكان الدافع داخلياً او خارجياً او مدفوعاً بمصالحه الشخصية ،وتميز المشهد بتماسك الطرف الاول تماما وبإيمانه بما يفعله برؤية و كتلة واحدة ،بينما يظهر الطرف الآخر غير منسجم ولا متجانس .إلا أن ميزته الصارخة تكمن في اعلامه الأقوى بكثير من اعلام الطرف الاول .
رغم ان الصوت عال جدا ويوحي بأن الاغلبية في مصر تؤيد ذلك الطرف الذي تنطق بإسمه جبهة الانقاذ و أقطابها " البرادعي- الصباحي و عمرو موسى " و يوحي بأن مصر ذاهبة الى الأسوا في هذا الوقت .
بعكس ذلك خرجت علينا، فضائية و اذاعة الـ BBC البريطانية المتحيزة احيانا ضد الاتجاه الإسلامي باستطلاع شعبي اظهر ان 82% من الشعب المصري مع د. مرسي و 18% فقط مع جبهة الانقاذ العالية الإعلام.
اعتقد ان الإنحراف الكبير الذي حصل في مصر، له عدة اسباب أهمها قيام مصر بدعم حركة حماس في غزة، و ما حققته هذه الحركة من نصر مؤزر في المواجهة الأخيرة ضد الصهاينة ،وما تبع ذلك من انجاز سياسي بدعم من مصر لم يتعود عليه العدو الصهيوني خلال الفترة التي يؤرخ لها بمعاهدة كامب ديفيد وإستمرت حتى نهاية حكم حسني مبارك .
هذا ما اثار الرعب و الذعر و الفزع و الخوف في أوساط صناع القرار في ذلك الكيان الغاصب، ولذلك استخدم كل امكانياته وادواته الاعلامية و المالية ،وكل الاطراف المتحالفة معه، لاثارة الفتن ،وتجلى ذلك في الهجمة الشرسة على د. مرسي و على الاسلاميين بوجه عام، بتضخيم و تعظيم كل خطأ حتى لو كان غير مقصود.
القيادات العليا في مصر تفهم ذلك و لكن طبقة الشعب طيبة وليست صاحبة اجندات و تخطيط و معرفة ببواطن و خفايا الامور، و معارضتها سطحية و ليست معارضة مباديء و قناعات كما اثبت الاستطلاع الأخير للـ BBC في مصر ً.
في النهاية انا من المؤمنين بمبادىء و أخلاق الحركة الاسلامية في مصر تماماً و هذا هو الثابت والاصل، اما في المفهوم السياسي فلا بد من وقوع بعض الاخطاء ،خاصة ان الاسلاميين يتولون الحكم للمرة الأولى، ولم يمضي على وجودهم في الحكم اكثر من ستة شهور ، و لو كانت النوايا صادقة عند الطرف الآخر لما تفاقمت الأمور ،وجرى إستغلال تلك الاخطاء بالشكل الذي نراه ، علما ان الحوار وحده كفيل بإنهاء وتجاوز كل الأخطاء من اجل مصر وشعبها ومستقبلها.
اعتقد ان وضوح الحقيقة سيتسع مع الزمن فقط فمصر قوية بشعبها وبحريتها و بقواها الثورية , ولا اظن ان احدا يستطيع سرقة احلام الشعب المصري مطلقاً خصوصا بعد ان عرف طريق وطعم الحرية .
ان مصر الى امام والمستقبل لها و معها القضية الفلسطينية و الامة العربية و الاسلامية جميعاً , فصبرا قليلاً فسيذهب الزبد و نرى الماء الصافي الزلال... ماء النيل العظيم بشعبه و حريته و قيادته صاحبة الخلق و المبادىء .
اذا صدقت النوايا فإن الشعب المصري بعد عدة اسابيع على موعد مع انتخابات برلمانية حرة ونزيهة و على دستور جديد و الصناديق تقرر من يمثل الشعب بأغلبيته و أقليته و كل مكوناته .
و في الدول المدنية الحرة و الديمقراطية هذا هو الطريق الوحيد السليم لمستقبل مشرق و زاهر ان شاء الله .