يوم بسبعة أسماء

لم تَعد مفرداتٌ مثل الرتابة والمراوحة تكفي لتوصيف اليوم العربي، فهو يومٌ أعجف بأكثر من عشرين مقياسا، وأشبه بفراغ يمتدُّ بين قوسين هما الشفق والغسق، أي منذ شروق الشمس حتى غروبها، فعلى مدار اللحظة وليس الساعة فقط، حروب الأخوة الأعداء على امتداد خطوط الدم الطولية، وخطوط الدمع العرضية، تتكرر يوميا، ولا يختلف فيها غير عدد القتلى والجرحى والمشردين، نظام سياسي وجيش حر في سوريا، والضحايا إضافة إلى سبعين ألفا حتى الآن، قلاع وأطلال حضارات وثقافة، وأخيرا رأس المعري، الذي لو عاد حيّا لشكر الله على أنه أعمى كي لا يرى ما نرى.
الكنانة التي طالما دخل إليها البشر من كل الأجناس آمنين، لم تعد كذلك، نظام يقول معارضوه إنه «يؤخون» الدولة، ومعارضون يقول النظام إنهم يوقفون عجلة النمو، ويضاعفون البطالة.. والحصيلة هي أرقام كارثيّة عن عشوائيات ومقابر، يوشك من يرى الزِّحام البشري فيها، أن يقول بأن القيامة قد وقعت، وهو آخر من يعلم.
بطالة وأوبئة ومديونيات، فلا النّظام يعيد النّظام، ولا جبهة الإنقاذ تنقذ، والمتوالية تتسارع نحو ما لا يعلم إلا الله وفقهاء الكوارث وجنون التاريخ.
والعراق العريق لا حاجة إلى التذكير بما آل إليه بعد أن أفرغت الطائرات والدبابات حمولتها من الديمقراطية فيه!
يومُنا العربي أصبح خارج التقاويم، وكأنه مستثنى من دوران الأرض، ومن كل روزنامات العالم، لأنه ينتهي كما يبدأ، وغسقه هو تكرار لشفقه، والجياع فيه ازدادوا جوعا، كما أن قططه السمينة ازدادت سمنة؛ لفرط ما التهمت من الفئران وأشلاء الأطفال في الحاويات والعشوائيات..
يومٌ بلا لون ولا طعم، لكنّه غزير الرائحة بخلاف ما يُوصف به الماء، فالحدائق غابات حديد وإسمنت، والظهيرة سوداء تعجُّ بالأشباح، رغم كل هذا الفائض من الكهرباء، إنه يوم بسبعة أسماء.. وقد يستغرب العربي المعاصر، إذا قُلنا له إن أحد أسلافه الشعراء، قبل أكثر من ألف عام، قال: إنّ أحَدَ هذا الزمن يُشيِّع سَبْتَه، وبالتالي فإنّ أربعاءه يُشيِّع ثُلاثاءه.. وكأنّ هذا العربي الملدوغ من كلّ الجحور، لم يتلقّح ضد تكرار اللدغ، فهو ما إن يحفر في جدار زنزانة، حتى يجد نفسه في زنزانة أضيق منها، وأشدّ ظلاما، وعليه أنْ يُفاضل بين شهاب الدين وأخيه، وبين الرمضاء والنّار، وبين الموت انتحارا ببطء وكمدٍ، والموت على خازوق.
تلكَ هي الحرية الممنوحة لمن وُلِدوا أحرارا، ثم أُرضعوا حليب الرقيق شديد البياض، حتى أصبحوا يمشون بمحاذاة الجدران، ويمدّون أرجلهم على قدر فِراشهم، ثم ينادون زوج أُمِّهم «يا عمي»، وقد يبوسون الكلب حى تغرق شواربهم في لعابه، إذا اقتضت الحاجة، تبعا لمواعظ وتعاليم الاستعباد والاستبداد، فهم إن لم يجدوا مستبدا ابتدعوه، لأنهم ذات يوم انفردوا بأكل الآلهة التي عجنوها من التّمر، ولا ندري ما الذي فعلوه بالنوى؟.
يومٌ لا يتغيَّر فيه غير اسمه، وأحيانا تتدخل النشرة الجوية، لجعله باردا أو أقلَّ برودة، لكنّ «بارومتر الجسد» لا علاقة له «ببارومتر الفيزياء».
فالبَردُ مزمنٌ ومقيمٌ، وما يتصبّب من عَرق على الجباه، ليس بسبب الدفء، بل خجلا من الذات والآخرين!!.
( الدستور )