حصاد ام سلامة والحكومة البرلمانية
حصاد ام سلامة، قصة حقيقية حدثت في إحدى القرى الاردنية تقول بأن هناك "ختيارة" تدعى ام سلامة من "ختيارات" الريف الأردني كان لديها "مارس" حقل مزروع بالمحاصيل الموسمية من القمح والشعير، ولكون ام سلامة لديها نظرة مستقبلية قررت أن تستأجر شاب فتي ليقوم بحصاد محصولها وحتى يكون هذا الحصّاد على أتم الإستعداد لهذه المهمة الشاقة قررت ام سلامة إستقدامه في فترة الربيع وقبل فترة الحصاد بمدة ليست بالقليلة وأعدت له "خربوش" ليقيم فيه، وكانت تهتم بتغذيته طوال تلك الفترة وعلى افضل وجه وكان يحمل منجله ويقوم بإظهار مهاراته في "الحصيدة" على أشجار البلوط فكانت ام سلامة تطلب منه أن لا يفعل ذلك حتى لا يصاب بعين حاسد لفرط مهارته وقوته التي أضحى عليها من شدة أهتمام ام سلامة بتغذيته على مدى أشهر، وعند أقتراب موعد الحصاد أختفى حصاد ام سلامة الذي ولى هارباً ولم يعقب، كل ذلك بعد أن تسمّن وتكسّب وملأ بطنة وعاش حياة رغيدة خلال تلك الفترة التي قضاها عند ام سلامة، فأصبحت قصته مثلاً في مثل هذه الحالة، وما اشبه اليوم بالبارحة.
هذه القصة تذكرنا بالجهود التي بذلت منذ حوالي سنتين في دعم الأحزاب والتيارات السياسية والتوجهات الفكرية والجهات النخبوية من أجل الإنخراط في الحياة السياسية والعملية الديمقراطية وتحديداً عملية الانتخابات النيابية للوصول في النهاية إلى الحكومات البرلمانية وفقاً للمفهوم الحديث لهذه التسمية بحيث يكون لمجلس النواب الدور الاكبر في تحديد شخصية رئيس الوزراء وفريقه الوزاري بشكل عام، وهو ما أراده جلالة الملك وهو صاحب الحق الدستوري في تسمية رئيس الوزراء فتنازل مختاراً عن هذا الحق لمجلس النواب للتشاور والتنسيب باسم رئيس الحكومة، ولكننا تفاجئنا بأن جزء لا يستهان به في المجلس قد أتبع فكرة حصاد أم سلامة بأن كان قبل دخوله المجلس مطالباً ومؤيداً بأن يتم تحديد رئيس الوزراء من قبل مجلس النواب ونظّر لهذه الفكرة وعقد الندوات وحشد المؤيدين وحصل على الأصوات ودخل المجلس متسلحاً بهذه الفكرة وعندما حل موعد الحصاد وأصبحت الكرة في ملعب مجلس النواب لتحديد شخصية الرئيس المقبل وجدناه يتنازل عن هذا الحق الذي لطالما طالب به، ليطلب من جلالة الملك أن يعين هو رئيس الوزراء.
في حين طالب البعض الاخر بان يكون رئيس الوزراء والوزراء من مجلس النواب – ربما لمصالح شخصية- مع الأخذ بعين الأعتبار أن المناداة بتوزير النواب تتعارض مع المناداة بفصل السلطات والذي هو مطلب شعبي ورسمي، كما ان توزير النواب قد يتعارض مع الدستور من نواحي كثيرة من ذلك ان من شروط النائب أن لا يكون موظفاً عاماً وقد حددت المادة (76) من الدستور الوظيفة العامة بأنها أي وظيفة يتناول صاحبها مرتبة من الاموال العامة، فالوزير من هذه الناحية يعتبر موظفاً عاماً فهو يحصل على راتبه وتقاعده من الأموال العامة وخزانة الدولة، أضف إلى ذلك أن النائب وعند ترشحة للإنتخابات النيابية يمتنع عليه أن يكون موظفاً عاماً، كما يمتنع على الوزير ان يترشح للإنتخابات النيابة إلا إذا قدم أستقالته قبل موعد الإقتراع بمدة معينة، وفوق ذلك كله كيف يمكن للنائب الجمع بين عضويته في مجلس النواب السلطة التشريعية ومنصب الوزير في السلطة التنفيذية فيكون هو المشرع والمنفذ والمراقب، وبهذا فإنني أجد ان المصلحة العامة تقتضي عدم توزير النواب إلا إذا قدم أستقالته وتم قبولها من مجلس النواب، خاصة أن لنا تجربة مريرة في هذا المجال.
بالمناسبة أعتقد أن أم سلامة أحضرت حصاداً اخر دون أتباع الخطة القديمة بالتسمين والتغذية فأنجز المهمة بكل اقتدار لأنه فعلاً كان حصّاداً ولم يكن شيئاً أخر.