عندما تسقط الشعوب من الحسابات السياسية

تم نشره الخميس 21st شباط / فبراير 2013 02:48 صباحاً
عندما تسقط الشعوب من الحسابات السياسية
د. رحيّل غرايبة

عندما تصبح الشعوب بلا قيمة سياسية، وتسقط من حسابات الأطراف المتصارعة، ولا يتم النظر اليها في حسابات الربح والخسارة، ويقتصر المعيار السياسي على التثبت بالسلطة وكرسي الحكم، تكون الامور عندئذ مقلوبة، والحسابات مغلوطة، والضمائر الوطنية غائبة، والإحساس بالمسؤولية العامة في غيبوبة تامة.

من ينظر إلى قوافل اللاجئين من الشعب السوري، وهم يتقاطرون تحت جنح الظلام، ويسيرون على حافة الموت، تتعقبهم بنادق القناصة وعصابات القتل والإجرام، ويهربون من جحيم البرد والموت، منهم النساء الطاعنات في السن، ومنهم الأطفال ومنهم المرضى ومنهم الفتيات في عمر الورود، يصاب الإنسان بالقهر وتنتابه كل مشاعر الغضب والهذيان.

كيف يتم التغاضي عن قتل (100) ألف ضحية، وجرح نصف مليون من البشر، وتشريد (5) ملايين نسمة، بين لاجئ ونازح ومفقود ومتخف ومرعوب، غير المعتقلين الذين غصت بهم السجون والمراكز الأمنية، وتعطيل المدارس، وتدمير المنازل وتعطيل مرافق الحياة.

ليس هناك قضية في العالم تعيش التجاهل والنسيان واللامبالاة من الأخ والصديق والمحايد، كما هي قضية الشعب السوري، ولم يحدث تواطؤ عالمي بهذا الحجم مثل ما يحدث تجاه ما يحدث في سورية، ولم يحدث أن يكون شعب بأكمله خارج الحسابات السياسية وبلا وزن أو قيمة عند الأطراف المؤثرة في تقرير مصير سورية ومستقبلها.

الأوضاع المقلوبة التي عاشها العرب طيلة قرن من الزمان، تصبح القيمة للأشخاص وأصحاب السلطة، وأما الشعوب والأوطان فهي بلا قيمة وبلا وزن ولا تدخل في الحسابات السياسية والنضالية، ولسان حال بعضهم ممن يتعاطون السياسة والنضال: "يموت الشعب ويحيا الرئيس"، فليمت مئات الألوف، وليتشرد من يتشرد ولتدمر البيوت والمنازل، ولتتعطل الحياة بكل مرافقها، فإذا بقي الرئيس وحاشيته فالأمور بخير، وكل الأمور الأخرى يتم تعويضها، أما الرئيس إذا مات أو انتهى أو استقال فلا يمكن تعويضه، لأن غيابه سوف يؤدي إلى تغييب الممانعة وسوف تندثر المقاومة وسوف يموت النضال وتحيا (إسرائيل) بسلام!!

نحن أمام كارثة انسانية مروّعة، يجب أن تهتز لها كل ضمائر العالم، فضلاً عن شعوب العروبة والاسلام، ولسنا الآن بصدد محاكمة الأطراف المختلفة والدخول في الجدل العقيم حول منسوب الثورية والنضال والممانعة في دماء الأطراف المتنازعة، ولكن نحن بصدد البحث عن أسلوب التعاون العربي والإنساني والعالمي في معالجة الكارثة المروّعة التي تلحق بالمدنيين السوريين، فكيف يتم إغاثة المنكوبين، وإسعاف الجرحى، وإيواء المشردين، وتقديم الغذاء والدواء للأطفال والعجزة والمصابين والمرضى، دون البحث في مساعدة طرف سياسي ضد طرف آخر في الصراع المحتدم في سورية.

العالم كله، والهيئات الدولية، ومنظمات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وكل مؤسسات الإغاثة مدعوّة لحماية المدنيين وإيوائهم ومعالجتهم، لأن الحرب قد تطول، وقد يتمسك الرئيس والنظام بكرسي الحكم إلى آخر رمق، وقد تبقى إيران وروسيا من جهة، وأمريكا والغرب من جهة أخرى في حوار طويل وعقيم في ترتيب أوضاع سورية السياسية بما يضمن مستقبل أمن "إسرائيل"، مما يؤدي إلى زيادة أمد المعاناة، وسوف يؤدي إلى مزيد من القتلى والجرحى والمشردين واللاجئين والنازحين..!!

والسؤال الملح: هل يمكن فصل المسار الإنساني الإغاثي، عن المسارات السياسية والعسكرية، وحسابات الأطراف البليدة والبطيئة والمعقدة، التي لا تلتفت إلى مصالح الشعب السوري ولا تقيم له وزناً، كما تقيم وزنا لحياة "إسرائيلي" واحد على أرض فلسطين.

المصيبة الكبرى والأكثر خطورة أن يسقط الشعب السوري من حسابات بعض العرب، أو من ينتسب إلى العروبة. ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات