العرب والعالم بين القدرة والرغبة

هناك فرق شائع بين القدرة على القيام بمهمة كبرى على صعيد العالم وما بين الرغبة في القيام بتلك المهمة، فقد تكون جهة ما قادرة تماًماً على الاضطلاع بفعل معين باقتدار، ولكنها ليست راغبة في تولي مسؤولية هذا الفعل وتحمل تكاليفه.
بهذا المقياس يقال أن أميركا هي الدولة الوحيدة في عالم اليوم القادرة على القيام بدور الشرطي العالمي، وبالتالي حراسة الأمن الدولي وقيادة العالم، ولكنها في عهد رئاسة باراك أوباما غير راغبة في التصدي لهذا الدور، لأنها لا تريد أن تتحمل تكاليفه بعد ما جرى لها من تجارب مرة في العراق وأفغانستان.
في المقابل فإن الاتحاد الأوروبي قد يكون راغباً في القيام بدور قيادي عالمي ولكنه غير قادر على ذلك في ظل أزماته المالية والاقتصادية، فالإمكانيات المادية المتوفرة لأميركا ليست متوفرة للاتحاد الأوروبي.
إذا صح هذا التحليل، فإن النظام العالمي الجديد الذي بدأ بانهيار الاتحاد السوفييتي وبروز أميركا كقطب أوحد يكون قد انتهى أو أوشك على الانتهاء ليفسح المجال لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
الأقطاب المرشـحة للعب دور عالمي جديد في ظل التعددية القطبية هي، إلى جانب أميركا، الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، أما الأدوار الإقليمية في منطقتنا فهي متروكة لإيران وإسرائيل وتركيا.
أين يقع العالم العربي على خارطة القوى العالمية في ظل هذه الأوضاع المتحركة والمتحولة من حال إلى حال؟ أغلب الظن أنه يقع في محل المفعول به وليس الفاعل.
العالم العربي ليس تحت رحمة القوى الكبرى كأميركا والاتحاد الأوروبي فقط، بل أيضاً تحت رحمة قوى إقليمية هي إسرائيل وإيران وتركيا. وكلها تنظر إلى العالم العربي كغنيمة متاحة لمن يكمش!.
موضوعياً، هناك فرصة لبروز قوى إقليمية عربية وازنة، ليس للتصدي لدور عالمي فهذا كثير، بل للقيام بدور إقليمي ذي طابع دفاعي. والمقصود هنا دولة الثقل البشري أي مصر، ودولة الثقل الاقتصادي أي السعودية، فهناك قدرة على القيام بهذا الدور الإقليمي، ولكن هل هناك رغبة في الاضطلاع بالمهمة، وهل تتوفر الإرادة.
التنبؤات الشائعة حول ما ستؤول إليه حالة العالم في المستقبل تخدم غرضاً واحدأً هو معرفة ما سوف لا يحدث في العالم، فالمستقبل لا يسلم نفسه للتوقعات مهما كانت ذكية، وتظل الدنيا حبلى بالمفاجآت.
( الراي )