سعوديون تحت خط الفقر في الأردن
المدينة نيوز - نشرت صحيفة الشرق السعودية تحقيقا عن سعوديين يعيشون تحت خط الفقر في الأردن ولا يستطيعون العودة إلى السعودية ، وتاليا نصه :
يقيم عدد من الأسر السعودية في الأردن إقامة شبه دائمة، في وضع اجتماعي حرج ومعاناة مع الفقر والعوز امتدت إلى أبنائهم الذين حُرموا من التعليم والعلاج، بعد أن استثنتهم لوائح الشؤون الاجتماعية من دعمها بحجة أنهم مقيمون خارج المملكة، دون البحث في الأسباب التي أجبرت الغالبية منهم على الإقامة هناك. مثلما استثنت جمعية «أواصر» النساء السعوديات بحجة الزواج من غير سعودي، في الوقت الذي تقدم دعمها لغير السعوديات المتزوجات من سعودي. فأصبح بعضهم يبحث عن المساعدات ويتلقفها من فاعلي الخير الأردنيين!
غرفة متهالكة
في بداية الرحلة توجّهنا في الأردن إلى منطقة الظليل، التي تبعد قرابة 45 كم عن العاصمة «عمان»، حيث التقينا بامرأة في منتصف الثلاثينيات من العمر تدعى هاجر العجمي تعيش مع أبنائها السبعة في غرفة طينية متهالكة لا يتجاوز طولها خمسة أمتار وعرضها لا يتجاوز الأربعة أمتار، سمحت لهم والدة زوجها أن ينتقلوا إليها بعد أن سقطت عليهم الغرفة السابقة التي كانوا يعيشون فيها جراء الأمطار. دخلنا هذه الغرفة فوجدنا سقفها متهالكاً، وبابها عبارة عن قطعة قماش فيها يأكلون وينامون، تجاورها دورة مياه لا يتجاوز ارتفاعها متراً واحداً ولا سقف لها.
ووجدنا أطفالها مجتمعين حول نار أشعلوها من بقايا الأخشاب وجذوع الشجر، فليست لديهم وسيلة تدفئة أخرى.
زواج عشائري
وتسرد هاجر قصتها قائلة «حضرت إلى الأردن قبل 13 عاماً بصحبة والدي الذي كان يتلقى العلاج، فأقمت عند زوجة والدي (الأردنية)، وفي هذه الأثناء قام والدي بتزويجي من ابن أحد أصدقائه الأردنيين بما يعرف بزيجة (عشائر)، التي تتم عادة بعقد قران يشهده شهود دون أخذ موافقة الجهات المعنية».
أبناء هاجر
وأنجبت هاجر أبناءها في الغرفة التي تسكن فيها لأنها لم تكن تستطيع أن تنجب في المستشفيات فليس لديها عقد زواج رسمي، ولم تستطع توثيق عقد زواجها العشائري، فكانت تعاني «الطلقات» في غرفتها وبمفردها. ترى هاجر أنها مستعدة أن تتحمل قسوة الحياة، ولكن لا تريدها أن تقسو على صغارها، لكن يبدو أن هذا الحلم لم ولن يتحقق لهاجر، حيث تجاوزت أعمارهم عشر سنوات ولم يتمكنوا من دخول المدارس والالتحاق بالتعليم، لأنهم لا يملكون شهادات ميلاد.
فلم تجد هاجر إلا أن تبيع غرفتين كانت تسكنهما تركهما لها والدها بعد وفاته بمبلغ 2000 دينار، لتدفعها للمحامي الذي استخرج لها خمس شهادات لتلتحق ابنتها الكبرى «حياة» بالصف الأول الابتدائي بعد أن بلغ عمرها 11 عاماً.
فقر وجوع
وحدثتنا «هاجر» وهي تجهش بالبكاء، بأنهم إن وجدوا ما يأكلونه اليوم فلن يجدوه غداً، وأن ما تحتفظ به كُسر من الخبز يحتسون معها الماء، وتضيف وهي تقسم بالله بأن أسطوانة الغاز لم تدخل غرفتهم منذ ثلاث سنوات لأنهم لا يجدون قيمتها ولا يجدون ما يطبخونه عليها.
وحين دخلنا كانت الطفلة «حياة» في زاوية الغرفة ترتدي ملابس رثة تحمل أخاها الصغير تحاول إسكاته، وحينما أرادت الحديث معنا سبقتها دموعها فبكت بكاءً يلين له الصخر ويذوب له الحديد، وقالت ببراءتها «أخي لو يموت من الجوع ما فينا نطعمه حليب شو ساوي»،
فكان أكبر همها أخاها الأصغر حينما يحتاج الحليب، فمن أين لهم؟ «ما يكفي يوم أروح المدرسة يضحكون علي وعلى ملابسي المشقوقة وحقيبتي المتقطعة، ويقولون لي حالكِ كذا وأمكِ سعودية؟».
عودة إلى الوطن
وتقول هاجر أريد العودة إلى بلادي اليوم قبل بكرة، أنا هنا أشوف الموت ولا أموت.
فقط أناشد السفارة تسهيل عودة أبنائي وزوجي معي. وطالبت هاجر من جمعية «أواصر» تقديم المساعدة لها، وقالت «رفضوا مساعدتي بحجة أنني متزوجة من غير سعودي»، وزوجها كان عاملاً في أحد مصانع الأسمدة، وأصيب بمرض في صدره جراء العمل، وتم الاستغناء عنه بأسباب هذا المرض. والغريب أن الدعم يقدم الآن للسوريات المتزوجات من سعوديين! فلماذا لا يقدم للسعوديات المتزوجات من غير سعوديين؟! وقد رأيت بعيني حينما قدمت السفارة لامرأة من الجنسية السورية متزوجة من شخص سعودي مبلغ 400 دينار، فرفضته السورية بحجة أنه لا يكفيها وغادرت السفارة، بينما أنا كنت أتمنى ربع هذا المبلغ.
سحر الحويطي
ومن منطقة معان التي تبعد أكثر من 200 كم عن العاصمة عمان، تلقينا اتصالاً من «سحر الحويطي» التي تقيم مع عائلتها المكونة من 15 شخصاً غالبيتهم من الإناث، أحدهم مصاب بمرض «المناغولي». تقول سحر إن الظروف أجبرتهم على البقاء مع والدهم الذي كان مطلوباً للجهات الأمنية السعودية بقضية تهريب مخدرات منذ عام 1999م، وتوفي قبل ستة أشهر بعد تعرّضه لجلطة. لا يجدون مَنْ يعولهم أو يساعدهم في معيشتهم، ويصعب عليهم توفير قيمة الأكل.
حتى في العلاج لا يستطيعون دفع أجرة الكشف الطبي التي تعادل ثلاثة أضعاف ما يدفعه المواطنون الأردنيون، ما جعلهم يتعالجون في المستشفيات بإثباتات جيرانهم الأردنيين الذين يتعاطفون مع وضعهم ويقدرون معاناتهم.
زواج واستغلال
وتضيف سحر أنه في عام 2004م تم تزويجها من أحد الأشخاص الأردنيين، بطريقة الزواج العشائري، ولم يستمر هذا الزواج أكثر من ثلاث سنوات أنجبت خلالها طفلين «ولداً وبنتاً»، فأصبحت تعاني من زوجها وتعامله معها، لأنه استغل أن هذا الزواج غير مسجل رسمياً، وبالتالي لن تستطيع أن تطلب النفقة أو المؤخر.
حلم العودة
وتتمنى سحر وأفراد أسرتها العودة إلى المملكة بأسرع وقت، ويسعون في ذلك، لكن المشكلة التي تحول دون ذلك عدم استخراج شهادة ميلاد لأطفالها، ورفض السفارة التصديق على ورقة طلاقها الصادرة من القضاء الأردني، وورقة حضانتها لأطفالها الصادرة من قاضي القضاة الأردني، وعدم إسقاط تعميم القبض على والدهم رغم وفاته وتقديم شهادة الوفاة الرسمية، وبالتالي عدم مقدرتهم على إضافة أشقائها الأربعة الصغار. وتأمل أن تعود هي وأسرتها ليرتموا في أحضان وطنهم، ولكن لن تستطيع أن تترك أطفالها وأشقاءها غير المضافين وحدهم.
كما تأمل أن يتم تأمين مسكن لهم، وعمل شريف لعائلهم الوحيد شقيقها محمد ليتعايشوا منه.
أم عبدالرحمن
وفي العاصمة «عمان» وجدنا امرأة سعودية تجاوزت الأربعين من العمر تُدعى أم عبدالرحمن، توفي والدها الذي كان يعمل معلماً في محافظة «الأحساء» قبل ولادتها بعد إصابته بمرض السرطان.
فعاشت عند أمها وزوجها «الفلسطيني» الذي قام بتزويجها لشخص سعودي وهي في الرابعة عشرة من العمر، إلا أن هذا الزواج لم يستمر سوى خمس سنوات ليقع الطلاق بعدها ولتعود إلى بيت زوج والدتها، لكن هذه المرة ليست بمفردها، بل تحمل معها طفلين أنجبتهما من هذا الزواج.
ولما أدركت أن زوج والدتها أصبح متضايقاً من وجود طفليها وليست لديها القدرة على إعاشتهما اضطرت أن تعيدهما لوالدهما في السعودية، وتحرم نفسها من أعز ما تملك في هذه الدنيا.
الزواج من غير سعودي
ويبدو أن زوج والدة أم عبدالرحمن لم يكن راغباً في بقائها عند والدتها، فقام بتزويجها من شخص ، واشترط الزوج عليها في عقد النكاح أن تقيم في الأردن. ومع مرور الأيام اتضح لها أن هذا الزوج شخص غير سوي، وأصبح مطلوباً للعدالة في الأردن لارتكابه عدداً من الجرائم وقضايا المخدرات، لكن هذا الاكتشاف جاء بعد أن أنجبت منه ثلاثة أطفال.
فقر ومرض
ولم يشفع لأم عبدالرحمن فقرها الشديد وسوء حالتها الصحية وأنها تعاني من القولون وتمزق في الظهر، أن تستفيد من إعانة «أواصر» لا لشيء سوى أنها أجبرتها الظروف على الزواج من رجل غير سعودي. ولم يكن الوضع المأساوي مقنعاً لوزارة الشؤون الاجتماعية أن تكون من ضمن مستفيدي الضمان الاجتماعي والمساعدات التي تقدمها الوزارة لا لشيء سوى أنها غير مقيمة في المملكة.
فاعل خير أردني
تقول أم عبدالرحمن لم أجد مَنْ يقف معي في هذه الظروف سوى أحد فاعلي الخير الأردنيين من المشايخ يُدعى»مالك أبوشقرة»، الذي كان يقدم لي بين كل فترة وفترة مساعدات مالية لسداد الفواتير أو لشراء العلاج لي، واستمر معي على هذه الحال أربع سنوات، بعدها لم يعد يستطيع أن يساعدني».
مستقبل مجهول
وتعيش أم سليمان (مواطنة أردنية) في وادي رم التابع للعقبة، تزوجت من أحد أقاربها السعوديين، وأنجبت ثلاثة أطفال، ورغم أنها تقدمت بطلب الحصول على الجنسية السعودية منذ أكثر من خمس سنوات، وأنهت الإجراءات كافة إلا أنها لم تحصل عليها حتى الآن.
ولم تمضِ أيامٌ طويلة على زواجها إلا وتكتشف أن زوجها مدمن، فأدخل مستشفى الأمل في القصيم لكن دون فائدة، وكان يذيقها العذاب ألواناً، ووالدته تمارس الوصاية عليها بكل قسوة. فعادت بهم إلى الأردن خوفاً على نفسها، وعلى أبنائها لتسكن عند والدها، ليصبحوا عبئاً ثقيلاً على أهلها، فوالدها لديه زوجتان وسبعة من الأبناء، ووضعه المالي سيئ. والآن تريد أن تربي أبناءها في بيئة جيدة لكي لا يتأثروا بوالدهم ودون أن تهتز صورته في عيونهم. ولكنها لا تجد لهم سكناً، وليست لديها القدرة على القيام بدفع تكاليفهم المدرسية والنفقة عليهم، ولا تدري ما هو المستقبل الذي ينتظرهم!
المالكي: «أواصر» تدعم 59 أسرة بـ 266 دولاراً للشخص الواحد
أوضحت المسؤول عن ملف جمعية «أواصر» بسفارة خادم الحرمين الشريفين بعمان، سناء عبدالحميد مالكي، أنَّ دعم «أواصر» يُقدَّم للأسر السعودية المقيمة في الأردن وليس لها عائل، والمسجَّلة ضمن كشوفات أواصر والبالغة 59 أسرة بلغ عدد أفرادها 166 فرداً. وأن معدل ما يتمُّ صرفه للشخص الواحد 266 دولاراً للشخص الواحد. وذكرت أنَّها تصرف للأسر التي لديها أبناء من الذكور لا تزيد أعمارهم عن 18 عاماً، ولمن لديها بنات دون النظر إلى أعمارهن. وبالنسبة للسعوديات المتزوِّجَات من غير سعوديين؛ فيتم الصرف بعد بحث الحالات ويشمل من اختفى زوجها، والتي يعاني زوجها من المرض أو الإعاقة.
وعن عدم الانتظام بصرف معونات «أواصر» أرجعت المالكي ذلك إلى عدم وجود موظف مختص مكلف من قِبَل الجمعية، وأنَّ مَن يقوم بهذا العمل تطوعاً من قبل وزارة الخارجية وبعض موظفي السفارات. وأكدت المالكي بأنه يشترط على السعوديات المتزوجات بالطريقة العشائرية «دون موافقة» لتوثيق زواجهن تقديم طلب توثيق عقد الزواج، وبطاقة الزوج، ودفتر العائلة للأولاد مصدَّقَةً من الخارجية الأردنية والأحوال المدنية، وصور مصدَّقَة من وثائقها السعودية وعناوين أقاربها من الدرجة الأولى وهواتفهم وصور بطاقاتهم، أو بحضور وليها سواءً كان الأب أو الأخ ويكتب إقرار عدم ممانعة من توثيق الزواج.
وأكدت المالكي بأنه يحق للمواطنة السعودية الآن بناءً على التعليمات الجديدة إدخال زوجها وأبنائها إلى المملكة.
وذكر مصدر لـ»الشرق» في السفارة السعودية في عمَّان -طلب عدم ذكر اسمه- أن الأسر التي يتم الصرف لها في الأردن 59 أسرة بينما الأسر المسجلة في كشوفات أواصر 125 أسرة. مؤكدا أن صرف جمعية أواصر للأسر السعودية في سوريا متوقف منذ بداية أحداث سوريا، دون تحديد مصير المبالغ المخصصة لهم. وأن هناك عدد 35 أسرة سعودية قدموا من سوريا وتم الرفع لهم منذ 4 أشهر دون رد. وأن عدد الأسر المسجلة لدى أواصر 1101 أسرة تتكون من 3688 فرداً يعيشون في 30 دولة.
«الأمانة» و«الضمان»: من حقهم أراضٍ ودعم
أكَّد مدير إدارة المنح في أمانة منطقة الحدود الشمالية، سلطان الفالح، بأنه يحقُّ لكل مواطن سعودي التقديم للحصول على قطعة أرض بأي منطقة يرغب التقديم فيها، بمجرَّد أن يكون حاملاً لبطاقة الأحوال الشخصية، أو بموجب تفويضه لشخص آخر بوكالة شرعية يُنيبُه فيها بالتقديم للحصول على قطعة أرض. وأضاف الفالح أنه يحق لكل مواطن سعودي طلب قطعة أرض «منحة ملكية» في أي مكان في المملكة، وذلك عن طريق رفع برقية للديوان الملكي أو بحضوره شخصياً للديوان.
من جانبه، أوضح لـ «الشرق» مدير مكتب الضمان الاجتماعي بمنطقة الحدود الشمالية، عوض المالكي، أنه يحق للمواطنين الذين هم خارج المملكة بمجرد دخولهم التقدم إلى أقرب مكتب ضمان اجتماعي لطلب الاستفادة من راتب الضمان الاجتماعي، وبرامج المساعدات التي يقدمها الضمان التي يُشترَط في تقديمها أن يكون صرفها لمستفيدي الضمان المسجَّلين فيه، والتي تشمل دعم المشاريع الإنتاجية للأسر، والفواتير، والغذاء، والحقيبة المدرسية، وبرامج الفرش والتأثيث.