قصتي مع ... شريتح ابو شريتح
لن أكتب اليوم مقالا سياسيا او اقتصاديا ،او في الشأن العربي، او الدولي ،و لكنني سأكتب حول حالة اجتماعية اقرب الى الخيال و لكنها واقعية و أنا شاهد عليها .
قبل أكثر من ثماني سنوات ،دعاني اخي و صديقي و شريكي السيد حسن يوسف امين " سعودي الجنسية " ،لحفل زواج ابنه البكر عباس في جدة، و جلس بجانبي في الحفل صديق الطفولة لشريكي ابو العباس، و عرفني عليه بأنه الدكتور حسن عطية ،و أخبرني بأن لديه مشكلة في الاردن، و طلب مني مساعدته في ذلك ما أمكن و إستمعت لقصته .
قال لي : قبل ثلاثين عاما تقدم أحد الأردنيين و هو شريتح ابو شريتح، و يعمل طبيبا في وزارة الصحة السعودية لخطبة أخته ،وفي ذلك الوقت كانوا يحملون الجنسية المصرية و يقطنون في مكة المكرمة ، و تمت الخطبة و الزواج، وبعد 6 اشهر من ذلك تم اكتشاف ان شهادة الدكتور مزورة ،و هنا أُسقط في يد والده، و طلب من السيد شريتح تطليق ابنته لانهم لا يتحملون مثل تلك المصائب، كونهم أناس لا يريدون المشاكل و هم في السعودية للعمل ,و السترة فقط .
بعدها ترك الزوج زوجته واختفى، و لم يعرف عنه شيئ، و بقيت الزوجة على ذمته و اتضح لاحقا أنها حامل، و أنجبت بنتا و اضطر الوالد بعد مرور اكثر من سنتين لتطليقها شرعا .
كبرت البنت و اصبح في ذلك الوقت عمرها – عندما اخبرني عن تلك القصة – 29 عاما و قال لي ان ظروفه المادية و ظروف اخته و ابنتها المالية جيدة ،لكنهم يخافون إن فارقوا الحياة ان تبقى البنت بدون أهل، و كل ما يريدون أن تتعرف البنت على أهلها، و أن تعرف مصير والدها ،لانه كان هنالك مخاوف من ان يكون قد توفى .وطوال هذه الفترة لم يعرفوا عنه شيئا او عن اهله حتى يتواصلوا معهم .
بالفعل أخذت الموضوع بكامل الاهتمام، و عندما رجعت الى الاردن ،سألت و لم احصل على نتيجة ،و بعدها اتصلت بصديق لي في الجوازات العامة ،و سألته إن كان هناك اسم للسيد شريتح ابو شريتح او لعائلته .
أبلغني انه لا يوجد اي شخص اردني يحمل رقما وطنيا من هذه العائلة الا السيد شريتح ابو شريتح و هو موضوعنا , و انه قد حصل على الجنسية الاردنية عن طريق وثيقة سفر مصرية يحملها اهل غزة و منها عرفت انه من القطاع .
اتصلت بصديق لي من عائلة ابو شريعة في غزة ،و قال لي ان هذه العائلة بعض افرادها يسكنون في مخيم غزة في مدينة جرش ،وتشرف عليه وكالة غوث اللاجئيين الفلسطينين، فاتصلت بالوكالة و افادوني باسماء عدد من هذه العائلة في تلك المنطقة ،و اعطوني عناوينهم و بعدها اصطحبت زوجتي و توجهنا الى المخيم و سألنا هناك فدلونا على العنوان .
وجدنا في الشارع شابين يعملان على باص لبيع بعض الادوات المنزلية ،و قالوا لنا بأنهم من عائلة ابو شريتح، فسألناهم عن الاسم الذي نريد ،فقالوا انهم لا يعرفون شيئا عنه ،و لكن والدهم ربما يعرف، فدعانا الشابان لبيتهم و اتضح ان الشابين قد انهوا تعليمهم في مجال الطب ،و عادوا للاردن، وأن والدتهم كانت مدرسة في الوكالة ،و قدمت استقالتها لانها اصبحت ام الاطباء و سترتاح , و للاسف عندما عادوا لم يحصلوا على اي عمل في مجال تخصصهم لانهم لا يحملون الرقم الوطني و لهذا لجأوا الى بيع الادوات المنزلية .
المهم اننا قابلنا والدهم و اعلمنا انه لا يوجد عندهم هذا الاسم و لكن خدمة للموضوع اتصل بأخ له يعيش في قطاع غزة، و شرح له الأمر، فقال الأخ ان عائلة ابو شريتح لها فرع اخر و هم من بدو منطقة بئر السبع،و تعهد بأن يسأل لنا عن ذلك .
بعد 3 ايام تلقيت اتصالا تلفونيا مفرحا منه، و قال بأنه عرف عنوانهم و اتصل بهم و اتضح ان هذه العائلة هي عائلة الدكتور و انها تعرف بوجود بنت لهم في السعودية ،و لكن لم يعرفوا كيف يصلون اليها ،و اتضح ان والدها عندما غادر مكة ذهب الى المنطقة الشرقية في السعودية و عمل مقاولا و حصل على ثروة كبيرة و بعدها توفي في حادث سيارة، و أنهم يتحرون شوقا و لهفة لمعرفة خبر ابنتهم، و اتضح لاحقا انهم احتفظوا طوال تلك الفترة بإرث ابنتهم و أن لها مالا وفيرا و أراضي ايضا .
بعدها اخذت تلفون العائلة منه ، و اتصلت بالدكتور حسن عطية، و اعلمته بالامر فكاد ان يغمى عليه فرحا هو و شقيقته و ابنتها , حيث كان فرحا لا يوصف و كذلك عائلة ابو شريتح، و كان الاتصال التلفوني بينهم متواصلا عند معرفة الخبر لاكثر من 6 ساعات و السماعة تنتقل من عم لعم، و من عمة لعمة ،و من ابن عم لابن عم، و من ابنة عمة لأخرى ،و كل افراد العائلة، ليسمعوا صوت ابنتهم التي لم يعرفوا عنها شيئا طوال الـ 29 سنة الماضية, و لحسن الطالع كان ذلك اليوم الذي تعرفت فيه الفتاة على عائلتها هو نفس اليوم الذي تم فيه عقد قرانها على أحد ضباط الجيش المصري من ابناء اخوالها .
كم كنت سعيدا ان هنالك عائلات فلسطينية محترمة جدا تحافظ على ارث البنت، و هذا شيء غير متداول،و كذلك حرصهم الشديد على ابنتهم و كذلك حرص الخال على ان يبحث عن جذور ابنتهم .
هذه من القصص الغريبة التي عايشتها و اخذت العبرة منها و هي ان الصبر مفتاح الفرج و ان الله يغير من حال الى حال و ان كل شيء في هذا الكون بقدر و ان رزقكم في السماء و ما توعدون ، وسألحقها بالعديد من القصص في كتابي الاول و هو مذكرات حياتي الذي سيصدر قريبا باذن الله .