هيئة التأمين والحقيقة التائهة
الحادثة تبدأ عندما يهجم كلب على أحد الأطفال في إحدى الحدائق العامة في مدينة نيويورك الأمريكية، ويحاول افتراسه وسط دهشة الناس وعدم تحرك أي منهم للمساعدة، عندها يندفع شاب من بين المتفرجين ويبعد الكلب عن الطفل ويدخل في مصارعة شرسة معه حتى يتمكن من خنقه حتى الموت. يبدأ الناس بالتصفيق للشاب الشجاع الذي أنقذ حياة الطفل من موت أكيد، فيقترب منه مصور صحفي، ويهنئه على شجاعته، ويخبره بأن جريدته ستنشر خبر هذه الحادثة في صفحتها الأولى تحت عنوان (شاب نيويوركي ينقذ طفلا من موت أكيد)، فيرد عليه الشاب بدون تردد: (ولكني لست من نيويورك)، فيجيبه الصحفي: (إذن سأجعل العنوان (بطل أمريكي ينقذ طفلا من الموت))، فيعترضه الشاب مرة أخرى ليقول: (ولكني لست أمريكيا) فيسأله الصحفي بغضب عن أصله بعد أن نفذ صبره، فيرد الشاب: أنا شاب عربي، في اليوم التالي تظهر الجريدة وهي تحمل عنوانا رئيسيا على صفحتها الأولى وهو عربي متشدد يخنق كلبا حتى الموت في إحدى حدائق نيويورك.
الفكرة المستوحاة من هذه القصة، تشير إلى كيفية تغيير مسار المضمون عن سياقه, بقصد التشويه وتغيير الحقائق وزرع بذور الفتنة والخروج عن الموضوعية، فقد بات فن التعبير إما منقذا أو قاتلا للواقع الذي نعيشه, فلماذا دائماً يلجأ الجهابذة إلى زعزعة الثقة بين المواطنين وهم يعلمون بأن الحقائق مغايرة لما يكتبون؟ ولماذا يبعدون تركيزهم عن المعلومة التي تحترم الآخرين وتخدم الوطن والمواطن ويتجهون نحو التشويه.
اطلعت مؤخراً على العديد من المواقع الالكترونية التي تناولت موضوع الهدر المالي في هيئة التأمين وفقاً لتقرير ديوان المحاسبة لسنة 2010 بصورة لافتة للانتباه، وللوقوف على الحقائق وجدت أنه لا بد من البحث والتحري بشكل شخصي لمحاولة فهم ما يجري في تلك المؤسسة، ولماذا تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2010 بالذات دون التطرق لذكر تقريره السنوي لسنة 2011 بالرغم من صدوره ما دامت الهيئة تعج بالتجاوزات، وبالنظر إلى التقرير السنوي لديوان المحاسبة لسنة 2011 لم يرعى انتباهي أي ذكر لهيئة التأمين سوى ملاحظة بسيطة لا يستطيع أن يراها سوى المدقق المتفحص، في هذه اللحظات التفكر والحدس وحدهما أرشداني إلى أن إثارة موضوع هيئة التأمين في هذه المرحلة لا يختلف عما كنا نطالعه في الأعوام السابقة بين الحين والآخر فقط بهدف التضييق على تلك المؤسسة التي تعد نموذجاً يكاد أن يكون نادراً في مؤسساتنا أوجدها القانون لنصرة المواطن الضعيف الذي لا سند له في بلد أصبحت لقمة سائغة في أفواه المتنفذين.
خلاصة الحديث، أن هنالك من يقف وراء هذه الفقاعات التي جيء بها فقط لتشويه صورة مؤسسة وطنية نظمت قطاعاً من أهم القطاعات المالية الداعمة لاقتصاد الوطن ... نعم هنالك من هاله حرص الحكومة وتدخلها من خلال هيئة التأمين لصالح المواطنين البسطاء والحد من تحركاته، هنالك فئة من (عتاولة) التأمين لا يريدون أية قيود تنظيمية أو رقابية حكومية على أعمالهم التي لا يشوبها امتهاناً لكرامة المواطنين، فإلى متى تستمر هذه المهازل التي تخفي الحقائق.
أرجو كل ما أرجوه من كتابنا الأفاضل ومواقعنا الالكترونية الحبيبة الرقي في تناقلها للأخبار والبحث عن الانجازات والمكتسبات التي حققتها هيئة التأمين خلال عمرها الممتد لأكثر من ثلاثة عشر عاماً وجعلتها تجربة رائدة يحتذى بها في تنظيم وتطوير قطاع التأمين أمام الجهات الإقليمية والدولية بدلاً من الترويج عن دون قصد لفئة متنفعة همها الوحيد المكتسبات الشخصية.