تديننا بحاجة الى تصحيح..!

ثمة فرق كبير بين الدين والتدين ، لكن يبدو ان المسافة بين الدين ، فهما وسلوكا ، وبين بعض صور التدين وسلوكيات المتدينين اوسع مما نتصور ، ولا يتعلق الامر - فقط - بالقضايا الكبرى التي استقال المسلمون منها منذ زمن طويل ، وانما بكثير من التفاصيل الصغيرة التي نمارسها يوميا ، سواء على صعيد العبادات وعلاقتنا مع الله تعالى ، او على صعيد المعاملات وعلاقتنا مع بعضنا بعضا.
الامثلة كثيرة ، ولكنني استأذن القارئ الكريم في اثبات بعضها: خذ مثلا ما تشهده مساجدنا يوم الجمعة من اكتظاظ للسيارات في الشوارع المحيطة بها ، حيث لا يتورع المصلون عن تعطيل كل القوانين والقيم الاخلاقية حين يغلقون بسياراتهم هذه الشوارع وحتى الارصفة ، وعذرهم في ذلك انهم يؤدون فريضة الصلاة وكأن أداءها يعفيهم من مسؤولية الالتزام بالنظام ، او يخولهم إلحاق الاذى بغيرهم ، او يحررهم من الوقوع في المنكر الأكبر.
وخذ - مثلا - انسحاب كثير من الموظفين والعمال من مكاتبهم وأعمالهم وقت الصلاة بحجة الانقطاع لادائها ، ويا ليت ان مدّة هذا الانقطاع تكون بمقدار ما يحتاجه اداء هذه الفريضة من وقت عشر دقائق مثلا ، بدل ان يكون ذريعة للاسترخاء وتعطيل معاملات الناس وعدم احترام قيمة الوقت والعمل اللذين يعتبران في الاسلام فريضة وعبادة ايضا ، وقد راعني مشهد طابور كبير يصطف امام احد المخابز وحين سألت عن السبب قيل بأن البائع ذهب للصلاة بعد رفع الأذان بدقائق ، وبعد ان انتظرت عودة المصلي - وكان غاضبا من احتجاج طابور المشترين - حاولت ان استفهم منه ما فعل ، فرد عليّ بعصبية: الصلاة يا اخي اهم بكثير من بيع الخبز.. الصلاة لا تنتظر ولكن هؤلاء الناس يمكن ان ينتظروا.
وخد مثلا آخر ، مشهد آلاف ، بل ملايين المسلمين الذين يذهبون سنويا الى البيت الحرام لاداء سنة العمرة وبعضهم يستدين المال للحفاظ على هذه العادة ، ولو قدر لاحدنا ان يحصي المبالغ التي تنفق سنويا - في الاردن مثلا - لكانت بالملايين ، فيما لم يفكر بعض هؤلاء بأن العمرة سنة ، وبأن اداءها لمرة واحدة يكفي ، وبأن الموازنة بين اولويات الإنفاق عليها او على غيرها من الفرائض الاجتماعية كتزويج الشباب او معاونة الفقراء واجب ديني يقضي بتقديم الاهم - بالنسبة للمجتمع لا للفرد نفسه - وهو هنا اكثر من يعد ، على غير ذلك من اداء السنن ، كما فعل ذلك فقهاؤنا وأفتوا ايضا.
يمكن ان اضيف لهذه الامثلة عشرات غيرها ، صورة التاجر الذي يغادر المسجد الى متجره ولا يتورع عن غش الناس ورفع الاسعار عليهم ، صورة المتدين الذي لا يتردد عن ابراز موقف الاسلام من انصاف المرأة ثم يعود الى بيته ليشتم زوجته ويعذبها ، صورة المسلمين الذي يتمسكون بمظاهر الدين او ما يسمى بالتدين الاصطناعي وهم أبعد ما يكونون عن التقوى والاستقامة في حياتهم.. وغيرها.
باختصار ، يمكن لمن يبالغون في الخوف على الاسلام من المسلمين انفسهم دعك من أولئك الذين يبالغون في الخوف من الاسلام ان ينتبهوا الى ان العالم لا يحكم على الاسلام الموجود في بطون الكتب ولا وقت لديه - اصلا - لقراءة نصوص ديننا وتراثنا ، وانما يحكم عليه من خلال افعالنا وسلوكنا او تديننا وممارستنا لقيم الدين وتعالميه.. فهل يدفعنا حبنا للاسلام ، لا مجرد خوفنا عليه ، الى تقديم نموذجه الافضل؟
اعتقد ان العالم اليوم بحاجة الى هذا النموذج. ( الدستور )