التحالف الإسلامي الأمريكي!!

منذ ما يقرب من عامين وحديث المؤامرة الإمبريالية الأمريكية الإسلامية أو الإخوانية بحسب البعض يغزو عقول طائفة من اليساريين والقوميين، وبعض الطائفيين (من طوائف مختلفة)، بصرف النظر عما إذا كان حديثهم عنها هو من باب القناعة، أم أنه مجرد نكاية حزبية وتصفية حسابات ودفع فواتير (ربما توفر من بينهم من هو مقتنع بها حقا).
كان أكثر هؤلاء قد احتفلوا بالثورة التونسية واليمنية والمصرية، وربما الليبية في البداية (ليسوا جميعا في حالة الأخيرة)، لكنهم ما لبثوا أن اكتشفوا خيوط المؤامرة بعد اندلاع الثورة السورية التي طالت حصنهم الأخير، بحسب ما يعتقدون.
لم يخرج السوريون في درعا بطلب من تركيا ولا من قطر أو سواها، ولا بمؤامرة إخوانية حيكت بليل، ولم يكن “الإرهابيون التكفيريون” هناك أصلا (كان النظام يستجدي وجود مسلح واحد بحسب تعبير فاروق الشرع)، ذلك أن درعا هي واحدة من أكثر المدن ولاءً للنظام البعثي، إذ يعتمد أكثر أبنائها على الانخراط في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والمدنية.
ما ينساه أولئك جميعا أيضا هو أن “الجزيرة” لم تعر الأحداث أدنى اهتمام، بل تجاهلتها إلى حد كبير، ربما لعدم الثقة بجديتها، وربما لأن العلاقة بين أمير قطر وبشار الأسد كانت قوية إلى حد كبير، أما تركيا (صاحبة المشروع العثماني!!) فكانت على علاقة أقوى ببشار، ولم تكن تتمنى أبدا أن تندلع في سوريا ثورة، بدليل ترددها لشهور طويلة قبل حسم موقفها من الثورة بعد أن أدرك قادتها أن ما راكموه في وعي الأمة من احترام سيتبدد إذا واصلوا اتخاذ ذات الموقف.
كان بوسع بشار أن يستوعب ما جرى عبر بعض الإصلاحات المعقولة، رغم موقف الشارع البائس منه بسبب الدكتاتورية والفساد الذي يسيطر على البلاد حتى لو لم قبلوا نسبيا بالسياسة الخارجية، مع أن القناعة بها لم تكن تتوفر إلا خارج سوريا، بينما يراه أكثر السوريين متصالحا مع العدو حفاظا على نفسه؛ كان بوسعه أن يفعل، لكنه أبى واستكبر وواجه المحتجين بالرصاص الحي.
منذ اندلاع الثورة السورية، انقلبت مواقف قطاعات عريضة من القوميين واليساريين، وصارت مهمتهم ليس التأكيد على أن سوريا تتعرض لمؤامرة إمبريالية صهيونية بمساعدة قوى “الإسلام الأمريكي”، بل تجاوزوا ذلك إلى سوق الأدلة على أن المؤامرة تشمل المنطقة برمتها التي يراد تسليمها (أمريكيا) للقوى الإسلامية التي ستتكفل بوضعها رهن التبعية والاستلاب (هل هم مقتنعون حقا بأن واشنطن جادة في الإطاحة ببشار، وهي تضغط لمنع تسليح الثوار بسلاح يكفي للحسم؟!).
صارت مهمتهم في السياق هي التنقيب في التصريحات والمواقف والصحف والمواقع على كل ما من شأنه إثبات نظرية هي محض هوىً نفسي، فيما يعلم الجميع أنك لن تعدم في الوكالات والأخبار على ما يفيد بإمكانية تفاهم الإسلاميين مع الغرب، لاسيما بعد أن تصدروا المشهد الانتخابي في أكثر من دولة في مقدمتها مصر وتونس والمغرب. بل ربما كان من السهل العثور على مواقف مهادنة من قوم لم يلملموا وضعهم الداخلي بعد، ويحتاجون وقتا أطول كي يهتموا بالملفات الخارجية، مع أنهم لو اهتموا لقيل إنهم يهربون من استحقاقات الداخل نحو استعراضات خارجية!!
كل المواقف التي تصبُّ في الاتجاه الآخر، ومعها الأدلة والقرائن برسم التجاهل، وقبلها حقيقة أنه ما من أنظمة مهما بلغت من السوء يمكن أن تقدم لأمريكا والغرب ما كانت تقدمه الأنظمة السابقة.
ها هم يحتفلون هذه الأيام بما يسمى ضغطا أمريكيا على جبهة الإنقاذ لكي تشارك في الانتخابات، ويصنفون ذلك بوصفه مساعدة للإخوان ومرسي، مع أن الموقف ربما جاء إنقاذا لتلك الجبهة التي كلما صعّدت، زاد تراجعها الشعبي (كم كان رصيدها أصلا في انتخابات مجلس الشعب المنحل؟!)، ويرسمون معالم الثمن الذي دفعه مرسي، لكأن البرادعي وعمرو موسى وصباحي ثوريون عظام سيدمرون إسرائيل، بينما يحميها مرسي!!
إن الحقد الذي يتجلى في خطاب تلك الطائفة من الناس، والذي انسحب على الدوائر الإيرانية أيضا، بدليل خطاب الإعلام الممول والمدعوم منها (رموزا ومؤسسات)، والذي يأتي بسبب ضيق طهران من مواقف مرسي من سوريا ومن العلاقة مع تركيا أيضا.
تغييب العقل وحده هو ما يمكن أن يؤدي إلى قناعة البعض بأن الغرب وأمريكا يمكن أن يجدا مصلحة في تغيير أنظمة مثل تلك التي كانت موجودة، ولم يتغير أكثرها بأنظمة إسلامية، لاسيما أننا لا نتحدث عن انقلاب عسكري، وإنما عن ديمقراطيات لن يكون بوسع حاكم أو تيار فيها تجاهل رأي الناس إذا أراد الحصول على ثقتهم من جديد.
من هنا، فإن تشكيك أولئك من الناحية العملية إنما هو في الجماهير وليس الإسلاميين، ويبدو أنهم لا يملكون حساسية حيال ذلك، لأنهم وحدهم النخب الحكيمة، بينما تلك جماهير قاصرة تنتخب دراويش وعملاء دون وعي!! يسخّفون الناس، ثم يتساءلون لما يتجاهلونهم في صناديق الاقتراع!!
الأسوأ بالطبع هو ذهاب بعضهم نحو تحالفات مع بقايا أنظمة سقطت، فضلا عن أنظمة أخرى يعرف الجميع خياراتها السياسية على صعيد القضايا القومية، وكل ذلك في سياق من النكاية والمناكفة التي تستبطن أحقادا متعددة الأشكال؛ حزبية وفكرية وسياسية وطائفية.
يبقى سؤال: هل يعني رضا أمريكا على مرسي أن تلك الدول التي تدعم المعارضة وتروج لمقاطعتها للانتخابات، وقبل ذلك عنفها في الشارع، هل يعني أنها تتمرد على القرار الأمريكي، هي التي لم يعرف عنها إلا التبعية طوال الوقت؟! ( الدستور )