بداية الرقص حنجلة

بداية استعراضية مكشوفة من مجلس النواب ظهرت في الجلسة النيابية أمس، عندما طالب "64" نائباً الحكومة التراجع عن قرار رفع أسعار المحروقات.
لا أحد يبرر للحكومة رفع أسعار المحروقات، لكن الاستعراض المجاني لا ينتج سياسة وقرارات، النواب الذين رفعوا الصوت عاليا أمس، هم وكتلهم من رشح الدكتور عبدالله النسور، وحصل على أعلى التقويمات، بحيث بات قاب قوسين من ترؤس ثاني حكومة برلمانية في تاريخ الأردن.
أمام النواب فرصة حقيقية لكشف موقفهم النهائي ليس من رفع الأسعار فقط، بل من السياسات الحكومية بمجملها، وخاصة الاقتصادية، فنحن على أبواب حكومة جديدة، وبيان وزاري شامل، وعندها نصل إلى المحاسبة الحقيقية، بعدما تعودنا من مجالس النواب السابقة، أن يقصف النواب الحكومات بوابل من الانتقادات والهجوم، وعند التصويت على الثقة، يظهر الكرم الحاتمي.
في خبايا النواب رفض مطلق لتسهيل قرارات الحكومة رفع الأسعار، وبعضهم يصرح علنًا "لن نحمل هذا الملف مع الحكومة، ويكفي ما أكلناه من خوازيق شعبية".
لكن، لندقق أكثر، فبوصلة الأوضاع العامة في البلاد مرتبكة، حائرة، ضبابية، والمسننات فالتة من مكانها.
فبأي اتجاه تسير الآن الأوضاع العامة ؟
الاحتجاجات الشعبية لم تضع أوزارها بعد، وإن تباينت في زخمها، فقد استأنفت الحركة السياسية عناوينها الاصلاحية مرة أخرى، بعد أن تبيّن أن تغيير الحكومات وفق الآلية المتبّعة نفسها تاريخياً، لا يحل مشكلة المطالب الاصلاحية المتعدّدة في أكثر من اتجاه.
الحركة الجماهيرية المنظمة أيضاً لم تُقِع أي تطور يذكر في بنيتها الاجتماعية والسياسية، وابتعدت القوى التي تُتكتك على حركة الشارع بما ينسجم مع صفقاتها، عن القوى الأخرى، التي حملت شعارات الاصلاح الحقيقي، مثلما حملت أحلام الربيع العربي، في تحقيق العدالة الاجتماعية، والدساتير الديمقراطية، والحريات.
على الاكتاف جملة من القوانين التي ينتظرها الشعب بفارغ الصبر، بعضها لا يزال في عهدة الحكومة وبعضها وصل إلى مجلس النواب، قانون الانتخاب والضمان الاجتماعي، والعمل، والمالكين والمستأجرين...
في هذه المرحلة، الأجدر ان نتيقظ إلى:
الاسراع في إنجاز القوانين السياسية والاجتماعية الناظمة للحريات ومعيشة المواطنين، وعدم الجلوس على مقاعد الانتظار والتحليل لما يُجرى في المحيط العربي، لأن الضامن الوحيد لاستقرار الوضع العام في البلاد هو المبادرة إلى الانفتاح على قوى الشعب وتنفيذ حزمة الاصلاحات العامة.
والحفاظ على الطابع السلمي وسعة الصدر تجاه الاحتجاجات الشعبية، السياسية منها والاجتماعية، وفتح قنوات حوار غابت منذ سنوات مع أصحاب هذه الاحتجاجات.
والحكمة تقتضي عدم العودة إلى العنف والمواجهة في العلاقة مع قوى الشعب الطامحة إلى التغيير. وعلينا أن نستوعب الدرس، في عدم التلكؤ في تنفيذ استحقاقات الاصلاح والمطالب الشعبية، في الحلول الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد.
النواب أمام امتحان حقيقي، وما قالته بعض الكتل النيابية في مشاوراتها مع الديوان بالسر، عليها أن تعلنه للعامة، حتى لا يبقى الرأي العام خاضعا للتحليلات والأقاويل. ( العرب اليوم )